الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَمَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُنْسَبَ مَنْ كَانَ لَهُ نَسَبٌ مِنْ النَّاسِ نَسَبَيْنِ مَنْ كَانَ لَهُ أَبٌ أَنْ يُنْسَبَ إلَى أَبِيهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ فَلْيُنْسَبْ إلَى مَوَالِيهِ، وَقَدْ يَكُونُ ذَا أَبٍ وَلَهُ مَوَالٍ فَيُنْسَبُ إلَى أَبِيهِ وَمَوَالِيهِ وَأُولَى نَسَبَيْهِ أَنْ يُبْدَأَ بِهِ أَبُوهُ وَأَمَرَ أَنْ يُنْسَبُوا إلَى الْأُخُوَّةُ فِي الدِّينِ مَعَ الْوَلاَءِ، وَكَذَلِكَ يُنْسَبُونَ إلَيْهَا مَعَ النَّسَبِ وَالْإِخْوَةُ فِي الدِّينِ لَيْسَتْ بِنَسَبٍ إنَّمَا هُوَ صِفَةٌ تَقَعُ عَلَى الْمَرْءِ بِدُخُولِهِ فِي الدِّينِ وَيَخْرُجُ مِنْهَا بِخُرُوجِهِ مِنْهُ وَالنَّسَبُ إلَى الْوَلاَءِ وَالْآبَاءِ إذَا ثَبَتَ لَمْ يُزِلْهُ الْمَوْلَى مِنْ فَوْقٍ، وَلاَ مِنْ أَسْفَلَ، وَلاَ الْأَبُ، وَلاَ الْوَلَدُ وَالنَّسَبُ اسْمٌ جَامِعٌ لَمَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ فَيُنْسَبُ الرَّجُلُ إلَى الْعِلْمِ وَإِلَى الْجَهْلِ وَإِلَى الصِّنَاعَةِ وَإِلَى التِّجَارَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ نَسَبٌ مُسْتَحْدَثٌ مِنْ فِعْلِ صَاحِبِهِ وَتَرْكِهِ الْفِعْلَ وَكَانَ مِنْهُمْ صِنْفٌ ثَالِثٌ لاَ آبَاءَ لَهُمْ يُعْرَفُونَ، وَلاَ وَلاَءَ فَنُسِبُوا إلَى عُبُودِيَّةِ اللَّهِ وَإِلَى أَدْيَانِهِمْ وَصِنَاعَاتِهِمْ، وَأَصْلُ مَا قُلْت مِنْ هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْت عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجَك وَاتَّقِ اللَّهَ} وَقَالَ: تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلاَ تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ قَالَ سَآوِي إلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنْ الْمَاءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنْ الْمُغْرِقِينَ} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إبْرَاهِيمَ إنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا إذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتْ لَمْ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنْك شَيْئًا} وَقَالَ تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} فَمَيَّزَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَهُمْ بِالدِّينِ، وَلَمْ يَقْطَعْ الْأَنْسَابَ بَيْنُهُمْ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْأَنْسَابَ لَيْسَتْ مِنْ الدِّينِ فِي شَيْءٍ. الْأَنْسَابُ ثَابِتَةٌ لاَ تَزُولُ وَالدِّينُ شَيْءٌ يَدْخُلُونَ فِيهِ، أَوْ يَخْرُجُونَ مِنْهُ وَنَسَبَ ابْنَ نُوحٍ إلَى أَبِيهِ وَابْنُهُ كَافِرٌ وَنَسَبَ إبْرَاهِيمُ خَلِيلَهُ إلَى أَبِيهِ وَأَبُوهُ كَافِرٌ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ ذِكْرُهُ: {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنكُمْ الشَّيْطَانُ} فَنَسَبَ إلَى آدَمَ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَلَدِهِ وَالْكَافِرَ وَنَسَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إلَى آبَائِهِمْ كُفَّارًا كَانُوا، أَوْ مُؤْمِنِينَ، وَكَذَلِكَ نَسَبَ الْمَوَالِي إلَى، وَلاَئِهِمْ، وَإِنْ كَانَ الْمَوَالِي مُؤْمِنِينَ وَالْمُعْتِقُونَ مُشْرِكِينَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ وَسُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلاَءِ وَعَنْ هِبَتِهِ» أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْوَلاَءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لاَ يُبَاعُ، وَلاَ يُوهَبُ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله تعالى عنه قَالَ: الْوَلاَءُ بِمَنْزِلَةِ الْخَلْفِ أَقِرَّهُ حَيْثُ جَعَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً تُعْتِقُهَا فَقَالَ: أَهْلُهَا نَبِيعُكهَا عَلَى أَنَّ وَلاَءَهَا لَنَا فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لاَ يَمْنَعُك ذَلِكَ فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها أَنَّهَا قَالَتْ جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ إنِّي كَاتَبْت أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ إنْ أَحَبَّ أَهْلُك أَنْ أُعِدَّهَا لَهُمْ وَيَكُونَ، وَلاَؤُك لِي فَعَلْت فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إلَى أَهْلِهَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فَقَالَتْ إنِّي قَدْ عَرَضْت عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَأَبَوْا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلاَءُ لَهُمْ فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهَا فَأَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ فَقَالَ: صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلاَءَ، فَإِنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَمَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُهُ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ».
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي حَدِيثِ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلاَئِلُ قَدْ غَلِطَ فِي بَعْضِهَا مَنْ يَذْهَبُ مَذْهَبَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِبَيْعِ الْمُكَاتَبِ بِكُلِّ حَالٍّ، وَلاَ أَرَاهُ إلَّا قَدْ غَلِطَ الْكِتَابَةُ ثَابِتَةٌ، فَإِذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهُ فَقَالَ: لِي قَائِلٌ بَرِيرَةُ كَانَتْ مُكَاتَبَةً وَبِيعَتْ وَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْعَ فَقُلْت لَهُ، أَلاَ تَرَى أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُ فِي كِتَابَتِهَا وَتَذْهَبُ مُسَاوِمَةً بِنَفْسِهَا لِمَنْ يَشْتَرِيهَا وَتَرْجِعُ بِخَبَرِ أَهْلِهَا؟ فَقَالَ: بَلَى وَلَكِنْ مَا قُلْت فِي هَذَا؟ قُلْت إنَّ هَذَا رِضًا مِنْهَا بِأَنْ تُبَاعَ قَالَ: أَجَلْ قُلْت وَدَلاَلَةٌ عَلَى عَجْزِهَا، أَوْ رِضَاهَا بِالْعَجْزِ قَالَ: أَمَّا رِضَاهَا بِالْعَجْزِ، فَإِذَا رَضِيَتْ بِالْبَيْعِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى رِضَاهَا بِالْعَجْزِ، وَأَمَّا عَلَى عَجْزِهَا، فَقَدْ تَكُونُ غَيْرَ عَاجِزَةٍ وَتَرْضَى بِالْعَجْزِ رَجَاءَ تَعْجِيلِ الْعِتْقِ فَقُلْت لَهُ وَالْمُكَاتَبُ إذَا حَلَّتْ نُجُومُهُ فَقَالَ: قَدْ عَجَزْت لَمْ يُسْأَلْ عَنْهُ غَيْرُهُ وَرَدَدْنَاهُ رَقِيقًا وَجَعَلْنَا لِلَّذِي كَاتِبَهُ بَيْعَهُ وَيُعْتِقُ وَيُرِقُّ قَالَ: أَمَّا هَذَا فَلاَ يَخْتَلِفُ فِيهِ أَحَدٌ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ رُدَّ رَقِيقًا قُلْت، وَلاَ يُعْلَمُ عَجْزُهُ إلَّا بِأَنْ يَقُولَ قَدْ عَجَزْت أَوْ تَحِلَّ نُجُومُهُ فَلاَ يُؤَدِّي، وَلاَ يُعْلَمُ لَهُ مَالٌ قَالَ: أَجَلْ وَلَكِنْ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ بَرِيرَةَ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ مَالٍ قُلْت مَسْأَلَتُهَا فِي أُوقِيَّةٍ، وَقَدْ بَقِيَتْ عَلَيْهَا أَوَاقٍ وَرِضَاهَا بِأَنْ تُبَاعَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا عَجْزٌ مِنْهَا عَلَى لِسَانِهَا قَالَ: إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَيَحْتَمِلُ مَا وَصَفْت وَيَحْتَمِلُ جَوَازَ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ قُلْت أَمَّا ظَاهِرُهُ فَعَلَى مَا وَصَفْت وَالْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلَوْ احْتَمَلَ مَا وَصَفْت وَوَصَفْت كَانَ أَوْلَى الْمَعْنَيَيْنِ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ مَا لاَ يَخْتَلِفُ فِيهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَنَّ الْمُكَاتَب لاَ يُبَاعُ حَتَّى يَعْجَزَ، وَلَمْ يُنْسَبْ إلَى الْعَامَّةِ أَنْ يَجْهَلَ مَعْنَى حَدِيثِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَبَيِّنٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ مَا لاَ تَمْتَنِعُ مِنْهُ الْعُقُولُ مِنْ أَنَّ الْمَرْءَ إذَا كَانَ مَالِكًا لِرَجُلٍ فَأَعْتَقَهُ فَانْتَقَلَ حُكْمُهُ مِنْ الْعُبُودِيَّةِ إلَى الْحُرِّيَّةِ فَجَازَتْ شَهَادَتُهُ وَوَرِثَ وَأَخَذَ سَهْمَهُ فِي الْمُسْلِمِينَ وَحُدَّ حُدُودَهُمْ وَحُدَّ لَهُ فَكَانَتْ هَذِهِ الْحُرِّيَّةُ إنَّمَا تُثْبِتْ الْعِتْقَ لِلْمَالِكِ وَكَانَ الْمَالِكُ الْمُسْلِمُ إذَا أَعْتَقَ مُسْلِمًا ثَبَتَ، وَلاَؤُهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ الْمُعْتِقِ أَنْ يَرُدَّ وَلاَءَهُ فَيَرُدَّهُ رَقِيقًا، وَلاَ يَهَبَهُ، وَلاَ يَبِيعَهُ، وَلاَ لِلْمُعْتَقِ، وَلاَ لَهُمَا لَوْ اجْتَمَعَا عَلَى ذَلِكَ فَهَذَا مِثْلُ النَّسَبِ الَّذِي لاَ يُحَوَّلُ وَبَيِّنٌ فِي السُّنَّةِ وَمَا وَصَفْنَا فِي الْوَلاَءِ أَنَّ الْوَلاَءَ لاَ يَكُونُ بِحَالٍ إلَّا لِمُعْتِقٍ، وَلاَ يَحْتَمِلُ مَعْنًى غَيْرَ ذَلِكَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ؟ قِيلَ لَهُ: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} فَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهَا لاَ تَكُونُ إلَّا لِمَنْ سَمَّى اللَّهُ وَأَنَّ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لِمَنْ سُمِّيَتْ لَهُ وَالْآخَرُ أَنَّهَا لاَ تَكُونُ لِغَيْرِهِمْ بِحَالٍ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»، فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً لاَ وَلاَءَ لَهُ وَالَى رَجُلاً أَوْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ لَمْ يَكُنْ مَوْلًى لَهُ بِالْإِسْلاَمِ، وَلاَ الْمُوَالاَةِ، وَلَوْ اجْتَمَعَا عَلَى ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَجَدَهُ مَعْبُودًا فَالْتَقَطَهُ وَمَنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ وَلاَءٌ بِنِعْمَةٍ تَجْرِي عَلَيْهِ لِلْمُعْتِقِ فَلاَ يُقَالُ لِهَذَا مَوْلَى أَحَدٍ، وَلاَ يُقَالُ لَهُ مَوْلَى الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ قَالَ: قَائِلٌ فَمَا بَالُهُ إذَا مَاتَ كَانَ مَالُهُ لِلْمُسْلِمِينَ؟ قِيلَ لَهُ: لَيْسَ بِالْوَلاَءِ وَرِثُوهُ وَلَكِنْ وَرِثُوهُ بِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِأَنْ خَوَّلَهُمْ مَا لاَ مَالَك لَهُ دُونَهُ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِمِيرَاثِ هَذَا مَالِكٌ بِوَلاَءٍ، وَلاَ بِنَسَبٍ، وَلاَ لَهُ مَالِكٌ مَعْرُوفٌ كَانَ مِمَّا خُوِّلُوهُ فَإِنْ قَالَ: وَمَا يُشْبِهُ هَذَا؟ قِيلَ: الْأَرْضُ فِي بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ لاَ مَالَك لَهَا يُعْرَفُ هِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَاَلَّذِي يَمُوتُ، وَلاَ وَارِثَ لَهُ يَكُونُ مَالُهُ لِجَمَاعَتِهِمْ لاَ أَنَّهُمْ مَوَالِيه، وَلَوْ كَانُوا أَعْتَقُوهُ لَمْ يَرِثْهُ مَنْ أَعْتَقَهُ مِنْهُمْ، وَهُوَ كَافِرٌ وَلَكِنَّهُمْ خُوِّلُوا مَالَهُ بِأَنْ لاَ مَالِكَ لَهُ. وَلَوْ كَانَ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ فِي الَّذِي لاَ، وَلاَءَ لَهُ إذَا مَاتَ أَنَّهُمْ يَرِثُونَهُ بِالْوَلاَءِ حَتَّى كَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ عَلَيْنَا فِيهِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُنْظَرَ إلَى الْحَالِ الَّتِي كَانَ فِيهَا مَوْلُودًا لاَ رِقَّ عَلَيْهِ وَمُسْلِمًا فَيُجْعَلُ وَرَثَتُهُ الْأَحْيَاءَ يَوْمئِذٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ دُونَ مَنْ حَدَثَ مِنْهُمْ فَإِنْ مَاتُوا وَرَّثْنَا وَرَثَةَ الْأَحْيَاءِ يَوْمئِذٍ مِنْ الرِّجَالِ مَالَهُ، أَوْ جَعَلْنَا مَنْ كَانَ حَيًّا مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ يَمُوتُ وَرَثَتَهُ قَسَمْنَاهُ بَيْنَهُمْ قَسْمَ مِيرَاثِ الْوَلاَءِ، وَلاَ نَجْعَلُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ الْحَالَيْنِ مَالَهُ لِأَهْلِ بَلَدٍ دُونَ أَهْلِ بَلَدٍ وَأَحْصَيْنَا مَنْ فِي الْأَرْضِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَعْطَيْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَظَّهُ مِنْ مِيرَاثِهِ كَمَا يُصْنَعُ بِجَمَاعَةٍ لَوْ أَعْتَقَتْ وَاحِدًا فَتَفَرَّقُوا فِي الْأَرْضِ وَنَحْنُ وَالْمُسْلِمُونَ إنَّمَا يُعْطُونَ مِيرَاثَهُ أَهْلَ الْبَلَدِ الَّذِي يَمُوتُ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِمْ وَلَكِنَّا إنَّمَا جَعَلْنَاهُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي وَصَفْت لاَ مِنْ أَنَّهُ مَوْلًى لِأَحَدٍ فَكَيْفَ يَكُونُ مَوْلًى لِأَحَدٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»، وَفِي قَوْلِهِ إنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ تَثْبِيتُ أَمْرَيْنِ أَنَّ الْوَلاَءَ لِلْمُعْتِقِ بِأَكِيدٍ وَنَفْيُ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ الْوَلاَءُ إلَّا لِمَنْ أَعْتَقَ، وَهَذَا غَيْرُ مُعْتِقٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ سَائِبَةً فَالْعِتْقُ مَاضٍ وَلَهُ، وَلاَؤُهُ، وَلاَ يُخَالِفُ الْمُعْتَقُ سَائِبَةً فِي ثُبُوتِ الْوَلاَءِ عَلَيْهِ وَالْمِيرَاثُ مِنْهُ غَيْرُ السَّائِبَةِ لِأَنَّ هَذَا مُعْتَقٌ، وَقَدْ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَهَكَذَا الْمُسْلِمُ يُعْتِقُ مُشْرِكًا فَالْوَلاَءُ لِلْمُسْلِمِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُعْتَقُ لَمْ يَرِثْهُ مَوْلاَهُ بِاخْتِلاَفِ الدِّينَيْنِ، وَكَذَلِكَ الْمُشْرِكُ الذِّمِّيُّ وَغَيْرُ الذِّمِّيِّ فَالْعِتْقُ جَائِزٌ وَالْوَلاَءُ لِلْمُشْرِكِ الْمُعْتِقِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُسْلِمُ الْمُعْتَقُ لَمْ يَرِثْهُ الْمُشْرِكُ الذِّمِّيُّ الَّذِي أَعْتَقَهُ بِاخْتِلاَفِ الدِّينَيْنِ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنْ لاَ يَرِثَ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلاَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ فَكَانَ هَذَا فِي النَّسَبِ وَالْوَلاَءِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَخُصَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ دُونَ الْآخَرِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا قَالَ: الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ عَنْ فُلاَنٍ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْحُرِّيَّةِ وَقَبِلَ الْمُعْتَقُ عَنْهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ، أَوْ لَمْ يَقْبَلْهُ فَسَوَاءٌ، وَهُوَ حُرٌّ عَنْ نَفْسِهِ لاَ عَنْ الَّذِي أَعْتَقَهُ عَنْهُ وَوَلاَؤُهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ وَكَانَتْ لَهُ قَرَابَةٌ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ تَرِثُهُ بِأَصْلِ فَرِيضَةٍ، أَوْ عَصَبَةٍ، أَوْ إخْوَةٌ لِأُمٍّ يَرِثُونَهُ بِأَصْلِ فَرِيضَةٍ، أَوْ زَوْجَةٌ أَوْ كَانَتْ امْرَأَةً وَكَانَ لَهَا زَوْجٌ وَرِثَ أَهْلُ الْفَرَائِضِ فَرَائِضَهُمْ وَالْعَصَبَةُ شَيْئًا إنْ بَقِيَ عَنْهُمْ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ قَامَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ مَقَامَ الْعَصَبَةِ فَيَأْخُذُ الْفَضْلَ عَنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ، فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ قَبْلَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ، وَلاَ وَارِثَ لَهُ غَيْرَ مَوَالِيهِ، أَوْ لَهُ وَارِثٌ لاَ يَحُوزُ مِيرَاثَهُ كُلَّهُ خَالَفَ مِيرَاثُ الْوَلاَءِ مِيرَاثَ النَّسَبِ كَمَا سَأَصِفُهُ لَك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَانْظُرْ فَإِنْ كَانَ لِلْمَوْلَى الْمُعْتِقِ بَنُونَ وَبَنَاتٌ أَحْيَاءُ يَوْم يَمُوتُ الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ فَاقْسِمْ مَالَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ، أَوْ مَا فَضَلَ عَنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ مِنْهُ بَيْنَ بَنِي الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ فَلاَ تُوَرَّثُ بَنَاتُهُ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ، وَلاَ بَنِينَ لِلْمَوْلَى الْمُعْتِقِ لِصُلْبِهِ وَلَهُ وَلَدُ وَلَدٍ مُتَسَفِّلُونَ، أَوْ قَرَابَةُ نَسَبٍ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ فَانْظُرْ الْأَحْيَاءَ يَوْمَ مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ مِنْ وَلَدِ وَلَدِ الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ فَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَقْعُدَ إلَى الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ باب وَاحِدٍ فَقَطْ فَاجْعَلْ الْمِيرَاثَ لَهُ دُونَ مَنْ بَقِيَ مِنْ وَلَدِ وَلَدِهِ، وَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْقُعُودِ فَاجْعَلْ الْمِيرَاثَ بَيْنَهُمْ شَرْعًا فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ مَاتَ، وَلاَ وَلَدَ لَهُ، وَلاَ وَالِدَ لِلْمَوْلَى الْمُعْتِقِ وَلَهُ إخْوَةٌ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَإِخْوَةٌ لِأَبِيهِ وَإِخْوَةٌ لِأُمِّهِ فَلاَ حَقَّ لِلْإِخْوَةِ مِنْ الْأُمِّ فِي، وَلاَءِ مَوَالِيهِ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ وَالْمِيرَاثُ لِلْإِخْوَةِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ دُونَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ، وَلَوْ كَانَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَاحِدًا. وَهَكَذَا مَنْزِلَةُ أَبْنَاءِ الْإِخْوَةِ مَا كَانُوا مُسْتَوِينَ، فَإِذَا كَانَ بَعْضُهُمْ أَقْعُدَ مِنْ بَعْضٍ فَانْظُرْ فَإِنْ كَانَ الْقُعْدَدُ لِبَنِي الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، أَوْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ فَاجْعَلْ الْمِيرَاثَ لَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا مِثْلَهُ فِي الْقُعْدَدِ لِمُسَاوَاتِهِ فِي الْقُعْدَدِ وَلِانْفِرَادِهِ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ دُونَهُمْ وَمُسَاوَاتِهِ إيَّاهُمْ فِي قَرَابَةِ الْأَبِ فَإِنْ كَانَ الْقُعْدَدِ لِابْنِ الْأَخِ لِأَبٍ دُونَ بَنِي الْأَبِ وَالْأُمِّ فَاجْعَلْهُ لِأَهْلِ الْقُعْدَدِ بِالْمَوْلَى الْمُعْتِقِ وَهَكَذَا مَنْزِلَةُ عَصَبَتِهِمْ كُلِّهِمْ بَعُدُوا، أَوْ قَرُبُوا فِي مِيرَاثِ الْوَلاَءِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ كَانَتْ الْمُعْتِقَةُ امْرَأَةً وَرِثَتْ مَنْ أَعْتَقَتْ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقَتْ، وَلاَ تَرِثُ مَنْ أَعْتَقَ أَبُوهَا، وَلاَ أُمُّهَا، وَلاَ أَحَدٌ غَيْرُهَا وَغَيْرُ مَنْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقَتْ، وَإِنْ سَفُلُوا وَيَرِثُ وَلَدُ الْمَرْأَةِ الْمُعْتِقَةِ مَنْ أَعْتَقَتْ كَمَا يَرِثُ وَلَدُ الرَّجُلِ الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاثِ فَإِنْ انْقَرَضَ وَلَدُهَا وَوَلَدُ وَلَدِهَا الذُّكُورُ، وَإِنْ سَفُلُوا، ثُمَّ مَاتَ مَوْلًى لَهَا أَعْتَقَتْهُ وَرِثَهُ أَقْرَبُ النَّاسِ بِهَا مِنْ رِجَالِ عَصَبَتِهَا لاَ عَصَبَةِ وَلَدِهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْم عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ مِنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْعَاصِ بْنَ هِشَامٍ هَلَكَ وَتَرَكَ بَنِينَ لَهُ ثَلاَثَةً اثْنَانِ لِأُمٍّ وَرَجُلٌ لِعَلَّةٍ فَهَلَكَ أَحَدُ الَّذِينَ لِأُمٍّ وَتَرَكَ مَالاً وَمَوَالِيَ فَوَرِثَهُ أَخُوهُ الَّذِي لِأُمِّهِ وَأَبِيهِ مَالَهُ وَوَلاَءَ مَوَالِيهِ، ثُمَّ هَلَكَ الَّذِي وَرِثَ الْمَالَ وَوَلاَءَ الْمَوَالِي وَتَرَكَ ابْنَهُ وَأَخَاهُ لِأَبِيهِ فَقَالَ: ابْنُهُ قَدْ أَحْرَزْت مَا كَانَ أَبِي أَحْرَزَ مِنْ الْمَالِ وَوَلاَءِ الْمَوَالِي: وَقَالَ: أَخُوهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَحْرَزْت الْمَالَ فَأَمَّا وَلاَءُ الْمَوَالِي فَلاَ، أَرَأَيْت لَوْ هَلَكَ أَخِي الْيَوْمَ أَلَسْت أَرِثُهُ أَنَا؟ فَاخْتَصَمَا إلَى عُثْمَانَ فَقَضَى لِأَخِيهِ بِوَلاَءِ الْمَوَالِي.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ فَاخْتَصَمَ إلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ جُهَيْنَةَ وَنَفَرٌ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ وَكَانَتْ امْرَأَةٌ مِنْ جُهَيْنَةَ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ يُقَالُ لَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ كُلَيْبٍ فَمَاتَتْ الْمَرْأَةُ وَتَرَكَتْ مَالاً وَمَوَالِيَ فَوَرِثَهَا ابْنُهَا وَزَوْجُهَا، ثُمَّ مَاتَ ابْنُهَا فَقَالَتْ وَرَثَتُهُ لَنَا وَلاَءُ الْمَوَالِي قَدْ كَانَ ابْنُهَا أَحْرَزَهُ. وَقَالَ: الجهنيون لَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا هُمْ مَوَالِي صَاحِبَتِنَا، فَإِذَا مَاتَ وَلَدُهَا فَلَنَا، وَلاَؤُهُمْ وَنَحْنُ نَرِثُهُمْ فَقَضَى أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ للجهنيين بِوَلاَءِ الْمَوَالِي.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ نَصْرَانِيًّا فَتُوُفِّيَ الْعَبْدُ بَعْدَمَا عَتَقَ قَالَ إسْمَاعِيلُ فَأَمَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ آخُذَ مَالَهُ فَأَجْعَلَهُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَبَنَاتٍ وَمَوَالِيَ هُوَ أَعْتَقَهُمْ فَمَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ وَرِثَهُ ابْنَاهُ، وَلَمْ يَرِثْهُ أَحَدٌ مِنْ بَنَاتِهِ. فَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ وَتَرَكَ وَلَدًا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْمَوَالِي الَّذِينَ أَعْتَقَهُمْ وَرِثَهُ ابْنُ الْمُعْتِقِ لِصُلْبِهِ دُونَ بَنِي أَخِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَقَ لَوْ مَاتَ يَوْمَ يَمُوتُ الْمَوْلَى كَانَ مِيرَاثُهُ لِابْنِهِ لِصُلْبِهِ دُونَ ابْنِ ابْنِهِ ثُمَّ هَكَذَا مِيرَاثُ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ أَبَدًا، وَإِنْ تَسَفَّلُوا فِي الْمَوَالِي اُنْسُبْ وَلَدَ الْوَلَدِ أَبَدًا إلَى الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ يَوْمَ يَمُوتُ الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ فَأَيُّهُمْ كَانَ أَقْرَبَ إلَيْهِ باب وَاحِدٍ فَاجْعَلْ لَهُ جَمِيعَ مِيرَاثِ الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ. وَلَوْ أَعْتَقَ رَجُلٌ غُلاَمًا، ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتِقُ وَتَرَكَ ثَلاَثَةَ بَنِينَ ثُمَّ مَاتَ الْبَنُونَ الثَّلاَثَةُ وَتَرَكَ أَحَدُهُمْ ابْنًا وَالْآخَرُ أَرْبَعَةَ بَنِينَ وَالْآخَرُ خَمْسَةَ بَنِينَ، ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ اقْتَسَمُوا مِيرَاثَ الْمَوْلَى عَلَى عَشْرَةِ أَسْهُمٍ لِلِابْنِ سَهْمٌ وَلِلْأَرْبَعَةِ الْبَنِينَ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْخَمْسَةِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ كَمَا يَقْتَسِمُونَ مِيرَاثَ الْجَدِّ لَوْ مَاتَ يَوْمئِذٍ وَهُمْ وَرَثَتُهُ لِاخْتِلاَفِ حَالِ مِيرَاثِ الْوَلاَءِ وَالْمَالِ، وَلَوْ كَانَ الْجَدُّ الْمَيِّتَ فَوَرِثَهُ ثَلاَثَةٌ بَنُونَ، ثُمَّ مَاتَ الْبَنُونَ وَتَرَكَ أَحَدُهُمْ ابْنًا وَالْآخَرُ أَرْبَعَةً وَالْآخَرُ خَمْسَةً، ثُمَّ ظَهَرَ لِلْجَدِّ مَالٌ اقْتَسَمَ بَنُو الْبَنِينَ عَلَى أَنَّهُ وَرِثَهُ ثَلاَثَةُ بَنِينَ، ثُمَّ وَرِثَ الثَّلاَثَةَ الْبَنِينَ أَبْنَاؤُهُمْ فَلِلِابْنِ الْمُنْفَرِدِ بِمِيرَاثِ أَبِيهِ ثُلُثُ مِيرَاثِ الْجَدِّ، وَذَلِكَ حِصَّةُ أَبِيهِ مِنْ مِيرَاثِ الْجَدِّ وَلِلْأَرْبَعَةِ الْبَنِينَ ثُلُثُ مِيرَاثِ الْجَدِّ أَرْبَاعًا بَيْنَهُمْ، وَذَلِكَ حِصَّةُ مِيرَاثِ أَبِيهِمْ، وَلِلْخَمْسَةِ الْبَنِينَ ثُلُثُ مِيرَاثِ الْجَدِّ أَخْمَاسًا بَيْنَهُمْ. وَذَلِكَ حِصَّةُ أَبِيهِمْ مِنْ مِيرَاثِ جَدِّهِمْ. وَلَوْ كَانَ مَعَهُمْ فِي الْمَالِ بَنَاتٌ دَخَلْنَ، وَلاَ يَدْخُلْنَ فِي مِيرَاثِ الْوَلاَءِ. فَإِذَا أَعْتَقَ رَجُلٌ عَبْدًا فَمَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ وَتَرَكَ أَبَاهُ وَأَوْلاَدًا ذُكُورًا فَمِيرَاثُ الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ لِذُكُورِ وَلَدِهِ دُونَ بَنَاتِهِ وَجَدِّهِ لاَ يَرِثُ الْجَدُّ مَعَ وَلَدِ الْمُعْتِقِ شَيْئًا مَا كَانَ فِيهِمْ ذَكَرٌ، وَلاَ وَلَدُ وَلَدِهِ، وَإِنْ سَفُلُوا، فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ وَتَرَكَ أَبَاهُ وَإِخْوَتَهُ لِأَبِيهِ وَأُمَّهُ، أَوْ لِأَبِيهِ فَالْمَالُ لِلْأَبِ دُونَ الْإِخْوَةِ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَلْقَوْنَ الْمَيِّتَ عِنْدَ أَبِيهِ فَأَبُوهُ أَوْلَى بِوَلاَءِ الْمَوَالِي إذَا كَانُوا إنَّمَا يُدْلُونَ بِقَرَابَتِهِ. فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ وَتَرَكَ جَدَّهُ وَإِخْوَتَهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ، أَوْ لِأَبِيهِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مِيرَاثِ الْجَدِّ وَالْأَخِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْمِيرَاثُ لِلْأَخِ دُونَ الْجَدِّ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُهُ وَالْمَيِّتَ أَبٌ قَبْلَ الْجَدِّ، وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَالَ: وَكَذَلِكَ ابْنُ الْأَخِ وَابْنُ ابْنِهِ، وَإِنْ سَفُلُوا؛ لِأَنَّ الْأَبَ يَجْمَعُهُمْ وَالْمَوْلَى الْمُعْتِقُ قَبْلَ الْجَدِّ وَبِهَذَا أَقُولُ؛ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: الْجَدُّ وَالْأَخُ فِي وَلاَءِ الْمَوَالِي بِمَنْزِلَةٍ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ يَلْقَى الْمَوْلَى الْمُعْتِقَ عِنْدَ أَوَّلِ أَبٍ يُنْتَسَبُ إلَيْهِ فَيَجْمَعُهُ وَالْمَيِّتَ الْمُعْتِقَ أَبٌ يَكُونَانِ فِيهِ سَوَاءً، وَأَوَّلُ مِنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ الْمَيِّتُ أَبُو الْمَيِّتِ وَالْمَيِّتُ ابْنُهُ وَالْجَدُّ أَبُوهُ فَذَهَبَ إلَى أَنْ يُشْرِكَ الْجَدَّ وَالْمَيِّتَ الْمُعْتِقَ أَبٌ هُمَا شَرَعَ فِيهِ الْجَدُّ بِالْأُبُوَّةِ وَالِابْنُ بِوِلاَدَتِهِ وَيَذْهَبُ إلَى أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَمَنْ قَالَ: هَذَا قَالَ: الْجَدُّ أَوْلَى بِوَلاَءِ الْمَوَالِي مِنْ بَنَى الْأَخِ إذَا سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَخِ جَعَلَ الْمَالَ لِلْجَدِّ بِالْقُرْبِ مِنْ الْمَيِّتِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْإِخْوَةُ أَوْلَى بِوَلاَءِ الْمَوَالِي مِنْ الْجَدِّ، وَبَنُو الْإِخْوَةِ أَوْلَى بِوَلاَءِ الْمَوَالِي مِنْ الْجَدِّ. فَعَلَى هَذَا الْباب كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ، فَأَمَّا إنْ مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ وَتَرَكَ جَدَّهُ وَعَمَّهُ وَمَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ فَالْمَالُ لِلْجَدِّ دُونَ الْعَمِّ؛ لِأَنَّ الْعَمَّ لاَ يُدْلِي بِقَرَابَةٍ إلَّا بِأُبُوَّةِ الْجَدِّ فَلاَ شَيْءَ لَهُ مَعَ مَنْ يُدْلِي بِقَرَابَتِهِ، وَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ عَمَّهُ وَجَدَّ أَبِيهِ كَانَ الْقَوْلُ فِيهَا عَلَى قِيَاسِ مَنْ قَالَ: الْإِخْوَةُ أَوْلَى بِوَلاَءِ الْمَوَالِي مِنْ الْجَدِّ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ لِلْعَمِّ؛ لِأَنَّهُ يَلْقَى الْمَيِّتَ عِنْدَ جَدٍّ يَجْمَعُهُمَا قَبْلَ الَّذِي يُنَازِعُهُ، وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْعَمِّ، وَإِنْ تَسَفَّلُوا؛ لِأَنَّهُمْ يَلْقَوْنَهُ عِنْدَ أَبٍ لَهُمْ وُلِدَ قَبْلَ جَدِّ أَبِيهِ وَمَنْ قَالَ: الْأَخُ وَالْجَدُّ سَوَاءٌ فَجَدُّ الْأَبِ وَالْعَمِّ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْعَمَّ يَلْقَاهُ عِنْدَ جَدِّهِ وَجَدُّ أَبِيهِ أَبُو جَدِّهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ كَانَ الْمُنَازِعُ لِجَدِّ الْأَبِ ابْنَ الْعَمِّ فَجَدُّ الْأَبِ أَوْلَى كَمَا يَكُونُ الْجَدُّ أَوْلَى مِنْ ابْنِ الْأَخِ لِلْقُرْبِ مِنْ الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ، ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ، وَلاَ وَارِثَ لِلْمَوْلَى الْمُعْتَقِ وَتَرَكَ أَخَاهُ لِأُمِّهِ وَابْنَ عَمٍّ قَرِيبٍ، أَوْ بَعِيدٍ فَالْمَالُ لِابْنِ الْعَمِّ الْقَرِيبِ، أَوْ الْبَعِيدِ؛ لِأَنَّ الْأَخَ مِنْ الْأُمِّ لاَ يَكُونُ عَصَبَةً، فَإِنْ كَانَ الْأَخُ مِنْ الْأُمِّ مِنْ عَصَبَتِهِ وَكَانَ فِي عَصَبَتِهِ مَنْ هُوَ أُقْعَدُ مِنْهُ مِنْ أَخِيهِ لِأُمِّهِ الَّذِي هُوَ مِنْ عَصَبَتِهِ كَانَ لِلَّذِي هُوَ أُقْعَدُ إلَى الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ فَإِنْ اسْتَوَى أَخُوهُ لِأُمِّهِ الَّذِي هُوَ مِنْ عَصَبَتِهِ وَعُصْبَتُهُ فَالْمِيرَاثُ كُلُّهُ لِلْأَخِ مِنْ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ سَاوَى عَصَبَتَهُ فِي النَّسَبِ وَانْفَرَدَ مِنْهُمْ بِوِلاَدَةِ الْأُمِّ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي عَصَبَتِهِ بَعُدُوا أَوْ قَرُبُوا، لاَ اخْتِلاَفَ فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَقَالَ: لِي بَعْضُ النَّاسِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْقِيَاسُ وَالْمَعْقُولُ وَالْأَثَرُ عَلَى أَكْثَرِ مَا قُلْت فِي أَصْلِ، وَلاَءِ السَّائِبَةِ وَغَيْرِهِ وَنَحْنُ لاَ نُخَالِفُك مِنْهُ إلَّا فِي مَوْضِعٍ، ثُمَّ نَقِيسُ عَلَيْهِ غَيْرَهُ فَيَكُونُ مَوَاضِعَ قُلْت: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: الرَّجُلُ إذَا أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ الرَّجُلِ كَانَ لَهُ، وَلاَؤُهُ كَمَا يَكُونُ لِلْمُعْتَقِ قُلْت: أَتَدْفَعُ أَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْقِيَاسَ يَدُلُّ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ الْمُنْعِمَ بِالْعِتْقِ يَثْبُتُ لَهُ الْوَلاَءُ كَثُبُوتِ النَّسَبِ؟ قَالَ: لاَ. قُلْت وَالنَّسَبُ إذَا ثَبَتَ فَإِنَّمَا الْحُكْمُ فِيهِ أَنَّ الْوَلَدَ مَخْلُوقٌ مِنْ الْوَالِدِ؟ قَالَ نَعَمْ. قُلْت فَلَوْ أَرَادَ الْوَالِدُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِأَنَّ الْمَوْلُودَ مِنْهُ نَفْيَهُ وَأَرَادَ ذَلِكَ الْوَلَدُ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا، وَلاَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَلِكَ. قَالَ: نَعَمْ. قُلْت، فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً لاَ أَبَ لَهُ رَضِيَ أَنْ يُنْتَسَبَ إلَى رَجُلٍ وَرَضِيَ ذَلِكَ الرَّجُلُ وَتَصَادَقَا مَعَ التَّرَاضِي بِأَنْ يُنْتَسَبَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ وَعُلِمَ أَنَّ أُمَّ الْمَنْسُوبِ إلَى الْمُنْتَسِبِ إلَيْهِ لَمْ تَكُنْ لِلْمُنْتَسِبِ إلَيْهِ زَوْجَةً، وَلاَ أَمَةً وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمَا، وَلاَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت؛ لِأَنَّا إنَّمَا نَنْسِبُ بِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا الْفِرَاشُ، وَفِي مِثْلِ مَعْنَاهُ ثُبُوتُ النَّسَبِ بِالشُّبْهَةِ بِالْفِرَاشِ وَالنُّطْفَةِ بَعْدَ الْفِرَاشِ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت، وَلاَ نَنْسِبُ بِالتَّرَاضِي إذَا تَصَادَقَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَا يُنْسَبُ بِهِ، قَالَ: نَعَمْ: قُلْت: وَثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْأَحْرَارِ وَيَنْتَقِلُ عَنْ أَحْكَامِ الْعُبُودِيَّةِ. قَالَ: نَعَمْ قُلْت وَالْوَلاَءُ هُوَ إخْرَاجُك مَمْلُوكَك مِنْ الرِّقِّ بِعِتْقِك وَالْعِتْقُ فِعْلٌ مِنْك لَمْ يَكُنْ لِمَمْلُوكِك رَدُّهُ عَلَيْك؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت وَلَوْ رَضِيَتْ أَنْ تَهَبَ وَلاَءَهُ، أَوْ تَبِيعَهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَك؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت، فَإِذَا كَانَ هَذَا ثَبَتَ فَلاَ يَزُولُ بِمَا وَصَفْت مِنْ مُتَقَدِّمِ الْعِتْقِ وَالْفِرَاشِ وَالنُّطْفَةِ وَمَا وَصَفْت مِنْ ثُبُوتِ الْحُقُوقِ فِي النَّسَبِ وَالْوَلاَءِ، أَفَتَعْرِفُ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي اجْتَمَعْنَا عَلَيْهِ فِي تَثْبِيتِ النَّسَبِ وَالْوَلاَءِ لاَ يَنْتَقِلُ، وَإِنْ رَضِيَ الْمُنْتَسِبُ وَالْمُنْتَسَبُ إلَيْهِ، وَالْمَوْلَى الْمُعْتِقُ وَالْمَوْلَى الْمُعْتَقُ لَمْ يَجُزْ لَهُ، وَلاَ لَهُمَا بِتَرَاضِيهِمَا قَالَ: نَعَمْ. هَكَذَا السُّنَّةُ وَالْأَثَرُ وَإِجْمَاعُ النَّاسِ فَهَلْ تَعْرِفُ السَّبَبَ الَّذِي كَانَ ذَلِكَ؟
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْت لَهُ فِي وَاحِدٍ مِمَّا وَصَفْت وَوَصَفْنَا كِفَايَةٌ وَالْمَعْنَى الَّذِي حَكَمَ بِذَلِكَ بَيِّنٌ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ: فَمَا هُوَ؟ قُلْت إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَثْبَتَ لِلْوَلَدِ وَالْوَالِدِ حُقُوقًا فِي الْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا وَكَانَتْ الْحُقُوقُ الَّتِي تَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ تَثْبُتُ لِلْوَالِدِ عَلَى وَلَدِ الْوَلَدِ، وَلِلْوَلَدِ مِنْ الْأُمِّ عَلَى وَالِدَيْ الْوَالِدِ حُقُوقًا فِي الْمَوَارِيثِ وَوَلاَءَ الْمَوَالِي وَعَقْلَ الْجِنَايَاتِ وَوِلاَيَةَ النِّكَاحِ وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَلَوْ تَرَكَ الْوَالِدُ وَالْوَلَدُ حَقَّهُمَا مِنْ ذَلِكَ وَمَا يَثْبُتُ لِأَنْفُسِهِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا تَرْكُهُ لِآبَائِهِمَا، أَوْ أَبْنَائِهِمَا أَوْ عَصَبَتِهِمَا، وَلَوْ جَازَ لِلِابْنِ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُ عَنْ الْأَبِ فِي وِلاَيَةِ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ لَوْ مَاتَ وَالْقِيَامِ بِدَمِهِ لَوْ قُتِلَ وَالْعَقْلِ عَنْهُ لَوْ جَنَى، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ ذَلِكَ لِآبَائِهِ، وَلاَ أَبْنَائِهِ، وَلاَ لِإِخْوَتِهِ، وَلاَ عَصَبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لِآبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ وَعَصَبَتِهِ حُقُوقٌ عَلَى الْوَلَدِ لاَ يَجُوزُ لِلْوَالِدِ إزَالَتُهَا بَعْدَ ثُبُوتِهَا، وَمِثْلُ هَذِهِ الْحَالِ الْوَلَدُ. فَلَمَّا كَانَ هَذَا هَكَذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُثْبِتَ رَجُلٌ عَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ وَعَصَبَتِهِ نَسَبَ مَنْ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَلِدْهُ فَيُدْخِلَ عَلَيْهِمْ مَا لَيْسَ لَهُ، وَلاَ مِنْ قِبَلِ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِيرَاثَ مِنْ نُسِبَ إلَيْهِ مَنْ نُسِبَ لَهُ وَالْمَوْلَى الْمُعْتَقُ كَالْمَوْلُودِ فِيمَا يَثْبُتُ لَهُ مِنْ عَقْلِ جِنَايَتِهِ وَيَثْبُتُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْرُوثًا وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَنْتَسِبَ إلَى وَلاَءِ رَجُلٍ لَمْ يُعْتِقْهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُثْبِتُ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ يُثْبِتُ عَلَى وَلَدِهِ وَآبَائِهِ وَعَصَبَتِهِ وِلاَيَتَهُمْ، فَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُثْبِتَ عَلَيْهِمْ مَا لاَ يَلْزَمُهُمْ مِنْ عَقْلٍ وَغَيْرِهِ بِأَمْرٍ لاَ يَثْبُتُ، وَلاَ لَهُمْ بِأَمْرٍ لَمْ يَثْبُتْ. فَقَالَ: هَذَا كَمَا وَصَفْت إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْت فَلِمَ جَازَ لَك أَنْ تُوَافِقَهُ فِي مَعْنًى وَتُخَالِفَهُ فِي مَعْنًى؟ وَمَا وَصَفْت فِي تَثْبِيتِ الْحُقُوقِ فِي النَّسَبِ وَالْوَلاَءِ. قَالَ: أَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْت وَمَا يَعْرِفُ النَّاسُ فَكَمَا قُلْت لَوْلاَ شَيْءٌ أَرَاك أَغْفَلْته وَالْحُجَّةُ عَلَيْك فِيهِ قَائِمَةٌ. قُلْت وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قُلْت لَهُ لَيْسَ يَثْبُتُ مِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ. قَالَ: لِأَنَّهُ خَالَفَ غَيْرَهُ مِنْ حَدِيثِك الَّذِي هُوَ أَثْبَتُ مِنْهُ. قُلْت لَوْ خَالَفَك مَا هُوَ أَثْبُتُ مِنْهُ لَمْ نُثْبِتْهُ وَكَانَ عَلَيْنَا أَنْ نُثْبِتَ الثَّابِتَ وَنَرُدَّ الْأَضْعَفَ. قَالَ: أَفَرَأَيْت لَوْ كَانَ ثَابِتًا أَيُخَالِفُ حَدِيثُنَا حَدِيثَك عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوَلاَءِ؟ فَقُلْت لَوْ ثَبَتَ لاَحْتَمَلَ خِلاَفَهَا وَأَنْ لاَ يُخَالِفَهَا؛ لِأَنَّا نَجِدُ تَوْجِيهَ الْحَدِيثَيْنِ مَعًا لَوْ ثَبَتَ وَمَا وَجَدْنَا لَهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ تَوْجِيهًا اسْتَعْمَلْنَاهُ مَعَ غَيْرِهِ، قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ لَوْ كَانَ ثَابِتًا؟ قُلْت: يُقَالُ الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ لاَ يَنْتَقِلُ عَنْهُ أَبَدًا، وَلَوْ نَقَلَهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَبِوَجْهِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ شَرْطِ الْوَلاَءِ فِيمَنْ بَاعَ فَأَعْتَقَهُ غَيْرُهُ أَنَّ الْوَلاَءَ لِلَّذِي أَعْتَقَ إذَا كَانَ مُعْتِقًا لاَ عَلَى الْعَامِّ أَنَّ الْوَلاَءَ لاَ يَكُونُ إلَّا لِمُعْتِقٍ إذْ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَءً لِغَيْرِ مُعْتِقٍ مِمَّنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ. قَالَ: هَذَا الْقَوْلُ الْمُنْصِفُ غَايَةَ النَّصَفَةِ فَلِمَ لَمْ تُثْبِتْ هَذَا الْحَدِيثَ فَنَقُولُ بِهَذَا؟ قُلْت؛ لِأَنَّهُ عَنْ رَجُلٍ مَجْهُولٍ وَمُنْقَطِعٌ وَنَحْنُ وَأَنْتَ لاَ نُثْبِتُ حَدِيثَ الْمَجْهُولِينَ، وَلاَ الْمُنْقَطِعَ مِنْ الْحَدِيثِ. قَالَ: فَهَلْ يَبِينُ لَك أَنَّهُ يُخَالِفُ الْقِيَاسَ إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ عِتْقٌ؟ قُلْت نَعَمْ، وَذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا وَصَفْنَا مِنْ تَثْبِيتِ الْحَقِّ لَهُ وَعَلَيْهِ بِثُبُوتِ الْعِتْقِ وَأَنَّهُ إذَا كَانَ يَثْبُتُ بِثُبُوتِ الْعِتْقِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَثْبُتَ بِخِلاَفِهِ. قَالَ: فَإِنْ قُلْت يَثْبُتُ عَلَى الْمُوَالِي بِالْإِسْلاَمِ؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ الْعِتْقِ، فَإِذَا أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَهُ. قُلْت: فَمَا تَقُولُ فِي مَمْلُوكٍ كَافِرٍ ذِمِّيٍّ لِغَيْرِك أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْك أَيَكُونُ إسْلاَمُهُ ثَابِتًا؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: أَفَيَكُونُ وَلاَؤُهُ لَك أَمْ يُبَاعُ عَلَى سَيِّدِهِ وَيَكُونُ رَقِيقًا لِمَنْ اشْتَرَاهُ؟ قَالَ: بَلْ يُبَاعُ وَيَكُونُ رَقِيقًا لِمَنْ اشْتَرَاهُ. قُلْت فَلَسْت أَرَاك جَعَلَتْ الْإِسْلاَمَ عِتْقًا، وَلَوْ كَانَ الْإِسْلاَمُ يَكُونُ عِتْقًا كَانَ لِلْعَبْدِ الذِّمِّيِّ أَنْ يُعْتِقَ نَفْسَهُ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الذِّمِّيُّ الْحُرُّ الَّذِي قُلْت هَذَا فِيهِ حُرًّا وَكَانَ إسْلاَمُهُ غَيْرَ إعْتَاقِ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَمْلُوكًا لِلْمُسْلِمِينَ فَلَهُمْ عِنْدَنَا، وَعِنْدَك أَنْ يَسْتَرِقُّوهُ، وَلاَ يَخْرُجُ بِالْإِسْلاَمِ مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَإِنْ قُلْت كَانَ مَمْلُوكًا لِلذِّمِّيِّينَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ وَيُدْفَعَ ثَمَنُهُ إلَيْهِمْ قَالَ: لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لِلذِّمِّيِّينَ وَكَيْفَ يَكُونُ مَمْلُوكًا لَهُمْ، وَهُوَ يوارثهم وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ، وَلاَ لِلْمُسْلِمِينَ بَلْ هُوَ حُرٌّ، قُلْت وَكَيْفَ كَانَ الْإِسْلاَمُ كَالْعِتْقِ؟ قَالَ: بِالْخَبَرِ، قُلْت لَوْ ثَبَتَ قُلْنَا بِهِ مَعَك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقُلْت لَهُ: وَكَيْفَ قُلْت فِي الَّذِي لاَ وَلاَءَ لَهُ، وَلَمْ يُسْلِمْ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ يُوَالِي مَنْ شَاءَ؟ قَالَ: قِيَاسًا أَنَّ عُمَرَ قَالَ: فِي الْمَنْبُوذِ هُوَ حُرٌّ وَلَك، وَلاَؤُهُ، قُلْت أَفَرَأَيْت الْمَنْبُوذَ إذَا بَلَغَ أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلاَئِهِ؟ قَالَ: فَإِنْ قُلْت لاَ؛ لِأَنَّ الْوَالِيَ عَقَدَ الْوَلاَءَ عَلَيْهِ قُلْت أَفَيَكُونُ لِلْوَالِي أَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَسْبِقْ بِهِ حُرِّيَّةٌ، وَلَمْ يَعْقِدْ عَلَى نَفْسِهِ؟ قَالَ: فَإِنْ قُلْت هَذَا حُكْمٌ مِنْ الْوَالِي؟ قُلْت أَوْ يَحْكُمُ الْوَالِي عَلَى غَيْرِ سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ يَكُونُ بِهِ لِأَحَدِ الْمُتَنَازِعَيْنِ عَلَى الْآخَرِ حَقٌّ، أَوْ يَكُونُ صَغِيرًا يَبِيعُ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ فِيمَا لاَ بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَمَا يُصْلِحُهُ، وَإِنْ كَانَ كَمَا وَصَفْت أَفَيَثْبُتُ الْوَلاَءُ بِحُكْمِ الْوَالِي لِلْمُلْتَقَطِ فَقِسْت الْمَوَالِيَ عَلَيْهِ؟ قُلْت، فَإِذَا وَالَى فَأَثْبَت عَلَيْهِ الْوَلاَءَ، وَلاَ تَجْعَلْ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلاَئِهِ مَا لَمْ يُعْقَلْ عَنْهُ فَأَنْتَ تَقُولُ يَنْتَقِلُ بِوَلاَئِهِ، قَالَ: فَإِنْ قُلْت ذَلِكَ فِي اللَّقِيطِ؟ قُلْت، فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ أَنْ يَفْسَخَ الْحُكْمَ، قَالَ: فَإِنْ قُلْت لَيْسَ لِلَّقِيطِ، وَلاَ لِلْمُوَالَى أَنْ يَنْتَقِلَ، وَإِنْ لَمْ يُعْقَلْ عَنْهُ؟ قُلْت فَهُمَا يَفْتَرِقَانِ، قَالَ: وَأَيْنَ افْتِرَاقُهُمَا؟ قُلْت اللَّقِيطُ لَمْ يَرْضَ شَيْئًا، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ الْحُكْمُ بِلاَ رِضًا مِنْهُ، قَالَ: وَلَكِنْ بِنِعْمَةٍ مِنْ الْمُلْتَقِطِ عَلَيْهِ، قُلْت فَإِنْ أَنْعَمَ عَلَى غَيْرِ لَقِيطٍ أَكْثَرَ مِنْ النِّعْمَةِ عَلَى اللَّقِيطِ فَأَنْقَذَ مِنْ قَتْلٍ وَغَرَقٍ وَحَرْقٍ وَسَجْنٍ وَأَعْطَاهُ مَالاً أَيَكُونُ لِأَحَدٍ بِهَذَا، وَلاَؤُهُ؟ قَالَ: لاَ: قُلْت، فَإِذَا كَانَ الْمُوَالَى لاَ يَثْبُتُ عَلَيْهِ الْوَلاَءُ إلَّا بِرِضَاهُ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلَّقِيطِ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَكَيْفَ قِسْته عَلَيْهِ؟ قَالَ: وَلِأَيِّ شَيْءٍ خَالَفْتُمْ حَدِيثَ عُمَرَ؟ قُلْنَا: وَلَيْسَ مِمَّا يَثْبُتُ مِثْلُهُ هُوَ عَنْ رَجُلٍ لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ، وَعِنْدَنَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ مَعْرُوفٌ أَنَّ مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَبَتْ وَلاَءَ بَنِي يَسَارٍ لِابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَدْ أَجَازَتْ مَيْمُونَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ هِبَةَ الْوَلاَءِ فَكَيْفَ تَرَكْته؟ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْوَلاَءِ وَعَنْ هِبَتِهِ؛ قُلْنَا أَفَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَهْيُهُ عَلَى غَيْرِ التَّحْرِيمِ؟ قَالَ: هُوَ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَإِنْ احْتَمَلَ غَيْرَهُ، قُلْت: فَإِنْ قَالَ: لَك قَائِلٌ لاَ يَجْهَلُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَيْمُونَةُ كَيْفَ وَجْهُ نَهْيِهِ. قَالَ قَدْ يَذْهَبُ عَنْهُمَا الْحَدِيثُ رَأْسًا فَتَقُولُ لَيْسَ فِي أَحَدٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةٌ، قُلْت فَكَيْفَ أَغْفَلْت هَذِهِ الْحُجَّةَ فِي اللَّقِيطِ؟ فَلَمْ تَرَهَا تَلْزَمُ غَيْرَك كَمَا لَزِمَتْك حُجَّتُك فِي أَنَّ الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ يَعْزُبُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ؛ وَأَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلاَ يُحَالُ إلَى بَاطِنٍ، وَلاَ خَاصٍّ إلَّا بِخَبَرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ عَنْ غَيْرِهِ، قَالَ: فَهَكَذَا نَقُولُ: قُلْت نَعَمْ فِي الْجُمْلَةِ، وَفِي بَعْضِ الْأَمْرِ دُونَ بَعْضٍ، قَالَ: قَدْ شَرَكَنَا فِي هَذَا بَعْضُ أَصْحَابِك. قُلْت أَفَحَمِدْت ذَلِكَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: لاَ قُلْت فَلاَ أَشْرُكُهُمْ فِيمَا لَمْ تَحْمَدْ، وَفِيمَا نَرَى الْحُجَّةَ فِي غَيْرِهِ. فَقَالَ: لِمَنْ حَضَرْنَا مِنْ الْحِجَازِيِّينَ: أَكَمَا قَالَ: صَاحِبُكُمْ فِي أَنْ لاَ وَلاَءَ إلَّا لِمَنْ أَعْتَقَ؟ فَقَالُوا نَعَمْ وَبِذَلِكَ جَاءَتْ السُّنَّةُ، قَالَ: فَإِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يُخَالِفُ فِي السَّائِبَةِ وَالذِّمِّيِّ يَعْتِقُ الْمُسْلِمَ، قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَيُكَلِّمُهُ بَعْضُكُمْ أَوْ أَتَوَلَّى كَلاَمَهُ لَكُمْ؟ قَالُوا افْعَلْ فَإِنْ قَصُرْت تَكَلَّمْنَا؛ قَالَ: فَأَمَّا أَتَكَلَّمُ عَنْ أَصْحَابِك فِي وَلاَءِ السَّائِبَةِ مَا تَقُولُ فِي وَلاَءِ السَّائِبَةِ وَمِيرَاثِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ إلَّا مَنْ سَيَّبَهُ؟ فَقُلْت، وَلاَؤُهُ لِمَنْ سَيَّبَهُ وَمِيرَاثُهُ لَهُ. قَالَ فَمَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ؟ قُلْت الْحُجَّةُ الْبَيِّنَةُ أَمُعْتَقُ الْمُسَيَّبِ لِلْمُسَيِّبِ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت: فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ مِيرَاثَ الْمُعْتَقِ لِمَنْ أَعْتَقَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهُ مَنْ يَحْجُبُهُ بِأَصْلِ فَرِيضَةٍ. قَالَ: فَهَلْ مِنْ حُجَّةٍ غَيْرِ هَذِهِ؟ قُلْت مَا أَحْسَبُ أَحَدًا سَلَكَ طَرِيقَ النَّصَفَةِ يُرِيدُ وَرَاءَهَا حُجَّةً، قَالَ: بَلَى. وَقُلْت لَهُ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ} قَالَ: وَمَا مَعْنَى هَذَا؟ قُلْت سَمِعْت مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَزْعُمُ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يُعْتِقُ عَبْدَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ سَائِبَةً فَيَقُولُ لاَ أَرِثُهُ، وَيَفْعَلُ فِي الْوَصِيلَةِ مِنْ الْإِبِلِ وَالَحَّامِ أَنْ لاَ يُرْكَبَ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ} عَلَى مَعْنَى مَا جَعَلْتُمْ فَأَبْطَلَ شُرُوطَهُمْ فِيهَا وَقَضَى أَنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَرَدَّ الْبَحِيرَةَ وَالْوَصِيلَةَ وَالَحَّامَ إلَى مِلْكِ مَالِكِهَا إذَا كَانَ الْعِتْقُ فِي حُكْمِ الْإِسْلاَمِ أَنْ لاَ يَقَعَ عَلَى الْبَهَائِمِ، قَالَ: فَهَلْ تَأَوَّلَ أَحَدٌ السَّائِبَةَ عَلَى بَعْضِ الْبَهَائِمِ؟ قُلْت: نَعَمْ. وَهَذَا أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ بِمَا يَعْرِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ، قَالَ: أَفَرَأَيْت قَوْلَك قَدْ أَعْتَقْتُك سَائِبَةً أَلَيْسَ خِلاَفَ قَوْلِك قَدْ أَعْتَقْتُك؟ قُلْت أَمَّا فِي قَوْلِك أَعْتَقْتُك فَلاَ، وَأَمَّا فِي زِيَادَةِ سَائِبَةً فَنَعَمْ. قَالَ: فَهُمَا كَلِمَتَانِ خَرَجَتَا مَعًا فَإِنَّمَا أَعْتَقَهُ عَلَى شَرْطٍ، قُلْت: أَوْ مَا أُعْتِقَتْ بَرِيرَةُ عَلَى شَرْطِ أَنَّ الْوَلاَءَ لِلْبَائِعِينَ فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّرْطَ؟ فَقَالَ: «الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» قَالَ: بَلَى: قُلْت، فَإِذَا أَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرْطَ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ الْمُعْتِقِ، وَإِنَّمَا انْعَقَدَ الْبَيْعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَرَدَّهُ إلَى الْمُعْتِقِ فَكَيْفَ لاَ يَبْطُلُ شَرْطُ الْمُعْتِقِ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ؟ قَالَ: فَإِنْ قُلْت فَلَهُ الْوَلاَءُ، وَلاَ يَرِثُهُ؟ قُلْت فَقُلْ إذًا الْوَلاَءُ لِلْمُعْتِقِ الْمُشْتَرَطِ عَلَيْهِ أَنَّ الْوَلاَءَ لِغَيْرِهِ، وَلاَ يَرِثُهُ، قَالَ: لاَ يَجُوزُ أَنْ أُثْبِتَ لَهُ الْوَلاَءَ وَأَمْنَعَهُ الْمِيرَاثَ وَدِينَاهُمَا وَاحِدٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت الرَّجُلَ يَمْلِكُ أَبَاهُ وَيَتَسَرَّى الْجَارِيَةَ وَيَمُوتُ لِمَنْ، وَلاَءُ هَذَيْنِ؟ قَالَ: لِمَنْ عَتَقَا بِمِلْكِهِ وَفِعْلِهِ، قُلْت أَفَرَأَيْت لَوْ قَالَ لَك قَائِلٌ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»، وَلَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْ هَذَيْنِ. هَذَا وَرِثَ أَبَاهُ فَيُعْتِقُهُ، وَإِنْ كُرِهَ، وَهَذَا وَلَدَتْ جَارِيَتُهُ، وَلَمْ يُعْتِقْهَا بِالْوَلَدِ، وَهُوَ حَيٌّ فَأَعْتَقَهَا بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلاَ يَكُونُ لِوَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ وَلاَءٌ؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا غَيْرُ مُعْتَقٍ هَلْ حُجَّتُنَا وَحُجَّتُك عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا زَالَ عَنْهُ الرِّقُّ بِسَبَبِ مَنْ يَحْكُمُ لَهُ بِالْمِلْكِ كَانَ لَهُ وَلاَؤُهُ؟ قَالَ: لاَ وَكَفَى بِهَذَا حُجَّةً مِنْك، وَهَذَا فِي مَعَانِي الْمُعْتَقِينَ، قُلْت فَالْمُعْتَقُ سَائِبَةً هُوَ الْمُعْتَقُ، وَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ الَّذِي فِي مَعَانِي الْمُعْتَقِينَ، قَالَ، فَإِنَّ الْقَوْمَ يَذْكُرُونَ أَحَادِيثَ، قُلْت فَاذْكُرْهَا قَالَ: ذَكَرُوا أَنَّ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ أَعْتَقَ سَائِبَةً، قُلْت وَنَحْنُ نَقُولُ إنْ أَعْتَقَ رَجُلٌ سَائِبَةً فَهُوَ حُرٌّ وَوَلاَؤُهُ لَهُ، قَالَ: فَيَذْكُرُونَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ مَا يُوَافِقُ قَوْلَهُمْ وَيَذْكُرُ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّ سَائِبَةً أَعْتَقَهُ رَجُلٌ مِنْ الْحَاجِّ فَأَصَابَهُ غُلاَمٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ فَقَضَى عُمَرُ عَلَيْهِمْ بِعَقْلِهِ، فَقَالَ: أَبُو الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ لَوْ أَصَابَ ابْنِي، قَالَ: إذًا لاَ يَكُونُ لَهُ شَيْءٌ، قَالَ: فَهُوَ إذًا مِثْلُ الْأَرْقَمِ، قَالَ: عُمَرُ فَهُوَ إذًا مِثْلُ الْأَرْقَمِ، فَقُلْت لَهُ هَذَا إذَا ثَبَتَ بِقَوْلِنَا أَشْبَهُ، قَالَ وَمِنْ أَيْنَ؟ قُلْت؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَأَى وَلاَءَهُ لِلْمُسْلِمِينَ رَأَى عَلَيْهِمْ عَقْلَهُ، وَلَكِنْ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ رَأَى عَقْلَهُ عَلَى مَوَالِيهِ فَلَمَّا كَانُوا لاَ يُعْرَفُونَ لَمْ يَرَ فِيهِ عَقْلاً حَتَّى يَعْرِفَ مَوَالِيَهُ، وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا تَأَوَّلُوا، وَكَانَ الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ مَا قَالُوا كَانُوا يُخَالِفُونَهُ، قَالَ: وَأَيْنَ؟ قُلْت هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ السَّائِبَةَ لَوْ قُتِلَ كَانَ عَقْلُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَنَحْنُ نَرْوِي عَنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِثْلَ مَعْنَى قَوْلِنَا، قَالَ: فَاذْكُرْهُ: قُلْت أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ طَارِقَ بْنَ الْمُرَقَّعِ أَعْتَقَ أَهْلَ بَيْتٍ سَوَائِبَ فَأَتَى بِمِيرَاثِهِمْ، فَقَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَعْطُوهُ وَرَثَةَ طَارِقٍ فَأَبَوْا أَنْ يَأْخُذُوا، فَقَالَ: عُمَرُ فَاجْعَلُوهُ فِي مِثْلِهِمْ مِنْ النَّاسِ، قَالَ: فَحَدِيثُ عَطَاءٍ مُرْسَلٌ قُلْت يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ آلِ طَارِقٍ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ عَنْهُمْ فَحَدِيثُ سُلَيْمَانَ مُرْسَلٌ قَالَ: فَهَلْ غَيْرُهُ؟ قُلْت أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ سَائِبَةً فَمَاتَ فَقَالَ: عَبْدُ اللَّهِ هُوَ لَك قَالَ: لاَ أُرِيدُ قَالَ فَضَعْهُ إذًا فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنَّ لَهُ وَارِثًا كَثِيرًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو طُوَالَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: كَانَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهَا عَمْرَةُ بِنْتُ يعار أَعْتَقَتْهُ سَائِبَةً فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ فَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِمِيرَاثِهِ فَقَالَ: أَعْطُوهُ عَمْرَةَ فَأَبَتْ تَقَبُّلَهُ، قَالَ: قَدْ اخْتَلَفَتْ فِيهِ الْأَحَادِيثُ قُلْت فَمَا كُنَّا نَحْتَاجُ إلَيْهَا مَعَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ فَاَلَّذِي يَلْزَمُنَا أَنْ نَصِيرَ إلَى أَقْرَبِهَا مِنْ السُّنَّةِ، وَمَا قُلْنَا مَعْنَى السُّنَّةِ مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاسْتِدْلاَلِ بِالْكِتَابِ، قَالَ: فَإِنْ قَالُوا إنَّمَا أَعْتَقَ السَّائِبَةَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ، قُلْنَا: فَإِنْ قَالَ: قَدْ أَعْتَقْتُك عَنْ نَفْسِي سَائِبَةً لاَ عَنْ غَيْرِي وَأَشْهَدُ بِهَذَا الْقَوْلِ قَبْلَ الْعِتْقِ وَمَعَهُ، فَقَالَ: أَرَدْت أَنْ يَكْمُلَ أَجْرِي بِأَنْ لاَ يَرْجِعَ إلَيَّ، وَلاَؤُهُ، قَالَ: فَإِنْ قَالُوا: فَإِذَا قَالَ: هَذَا؟ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَعْتَقَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، قُلْنَا هَذَا الْجَوَابُ مُحَالٌ، يَقُولُ أَعْتَقْتُك عَنْ نَفْسِي وَيَقُولُ أَعْتَقَهُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: هَذَا قَوْلٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، قُلْت أَرَأَيْت لَوْ كَانَ أَخْرَجَهُ مِنْ مِلْكِهِ إلَى الْمُسْلِمِينَ أَكَانَ لَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ، وَلَمْ يَأْمُرُوهُ بِعِتْقِهِ؟، وَلَوْ فَعَلَ لَكَانَ عِتْقُهُ بَاطِلاً إذَا أَعْتَقَ مَا أَخْرَجَ مِنْ مِلْكِهِ إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَإِنْ قَالَ: إنَّمَا أَجَزْته؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ مُعْتِقٌ، فَقَدْ قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ، قَالَ: فَمَا حُجَّتُك عَلَيْهِمْ فِي الذِّمِّيِّ يُسْلِمُ عَبْدُهُ فَيُعْتِقُهُ؟ قُلْت مِثْلُ أَوَّلِ حُجَّتِي فِي السَّائِبَةِ أَنَّهُ لاَ يَعْدُو أَنْ يَكُونَ مُعْتَقًا، فَقَدْ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَلاَءِ لِمَنْ أَعْتَقَ، أَوْ يَكُونُ إذَا اخْتَلَفَ الدِّينَانِ لاَ يَجُوزُ عِتْقُهُ فَيَكُونُ عِتْقُهُ بَاطِلاً؟ قَالَ: بَلْ هُوَ مُعْتَقٌ وَالْعِتْقُ جَائِزٌ قُلْت فَمَا أَعْلَمُك بَقَّيْت لِلْمَسْأَلَةِ مَوْضِعًا قَالَ: بَلَى لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ لَمْ يَرِثْهُ الْمُعْتِقُ قُلْت وَمَا مَنَعَ الْمِيرَاثَ إنَّمَا مَنَعَ الْمِيرَاثَ الَّذِي مَنَعَهُ الْوَرَثَةُ أَيْضًا غَيْرُ الْمُعْتِقِ بِاخْتِلاَفِ الدِّينَيْنِ، وَكَذَلِكَ يَمْنَعُهُ وَارِثُهُ بِالنَّسَبِ بِاخْتِلاَفِ الْوَلاَءِ وَالنَّسَبِ قَالَ: أَفَيَجُوزُ أَنْ يُثْبِتَ لَهُ عَلَيْهِ وَلاَءً، وَهُوَ لاَ يَرِثُهُ؟ قُلْت نَعَمْ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُثْبِتَ لَهُ عَلَى أَبِيهِ أُبُوَّةً، وَهُوَ لاَ يَرِثُهُ إذَا اخْتَلَفَ الدِّينَانِ، أَوْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنْ الذِّمِّيَّ إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ وَلِلذِّمِّيِّ وَلَدٌ مُسْلِمُونَ كَانَ الْوَلاَءُ لِبَنِيهِ الْمُسْلِمِينَ، وَلاَ يَكُونُ لِلَّذِي أَعْتَقَهُ؟ لَئِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُعْتِقِ فَالْمُعْتَقُ لَهُمْ مِنْ بَنِيهِ أَبْعَدُ أَنْ يَجُوزَ قَالَ: وَأَنْتَ تَقُولُ مِثْلَ هَذَا؟ قُلْت وَأَيْنَ؟ قَالَ تَزْعُمُ أَنَّ رَجُلاً لَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ مُسْلِمُونَ، وَهُوَ كَافِرٌ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ وَرِثَتْهُ إخْوَتُهُ الْمُسْلِمُونَ، وَلَمْ يَرِثْهُ أَبُوهُ وَبِهِ وَرِثُوهُ قُلْت أَجَلْ فَهَذِهِ الْحُجَّةُ عَلَيْك قَالَ: وَكَيْفَ؟ قُلْت أَرَأَيْت أُبُوَّتَهُ زَالَتْ عَنْ الْمَيِّتِ بِاخْتِلاَفِ دِينِهِمَا؟ قَالَ لاَ، هُوَ أَبُوهُ بِحَالِهِ قُلْت، وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ وَرَّثْته قَالَ نَعَمْ قُلْت، وَإِنَّمَا حَرُمَ الْمِيرَاثُ بِاخْتِلاَفِ الدِّينَيْنِ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَلِمَ لَمْ تَقُلْ فِي الْمَوَالِي هَذَا الْقَوْلَ فَنَقُولُ مَوْلاَهُ مَنْ أَعْتَقَهُ، وَلاَ يَرِثُهُ مَا اخْتَلَفَ دِينَاهُمَا، فَإِذَا أَسْلَمَ الْمُعْتِقُ وَرِثَهُ إنْ مَاتَ بَعْدَ إسْلاَمِهِ قَالَ: فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ إذَا أَعْتَقَهُ الذِّمِّيُّ ثَبَتَ، وَلاَؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلاَ يَرْجِعُ إلَيْهِ قُلْت وَكَيْفَ ثَبَتَ، وَلاَؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَغَيْرُهُمْ أَعْتَقَهُ؟ قَالَ فَبِأَيِّ شَيْءٍ يَرِثُونَهُ؟ قُلْت لَيْسُوا يَرِثُونَهُ وَلَكِنَّ مِيرَاثَهُ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لاَ مَالِكَ لَهُ بِعَيْنِهِ قَالَ: وَمَا دَلَّك عَلَى مَا تَقُولُ، فَإِنَّ الَّذِي يُعْرَفُ أَنَّهُمْ لاَ يَأْخُذُونَهُ إلَّا مِيرَاثًا؟ قُلْت أَفَيَجُوزُ أَنْ يَرِثُوا كَافِرًا؟ قَالَ: لاَ قُلْت أَفَرَأَيْت الذِّمِّيَّ لَوْ مَاتَ، وَلاَ وَارِثَ لَهُ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ لِمَنْ مِيرَاثُهُ؟ قَالَ: لِلْمُسْلِمِينَ قُلْت؛ لِأَنَّهُ لاَ مَالِكَ لَهُ لاَ أَنَّهُ مِيرَاثٌ قَالَ: نَعَمْ قُلْت، وَكَذَلِكَ مَنْ لاَ وَلاَءَ مِنْ لَقِيطٍ وَمُسْلِمٍ لاَ وَلاَءَ لَهُ، أَوْ، وَلاَؤُهُ لِكَافِرٍ لاَ قَرَابَةَ لَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَذَكَرْت مَا ذَكَرْت فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ لاَ يُؤْخَذُ عَلَى الْمِيرَاثِ قَالَ: فَإِنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ خَالَفَك فِي مَعْنًى آخَرَ فَقَالَ: لَوْ أَنَّ مُسْلِمًا أَعْتَقَ نَصْرَانِيًّا فَمَاتَ النَّصْرَانِيُّ وَرِثَهُ إنَّمَا قَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ فِي النَّسَبِ» فَقُلْت أَمَوْجُودٌ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ؟ قَالَ فَيَقُولُونَ الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُهُ قُلْت أَفَرَأَيْت إنْ عَارَضَنَا وَإِيَّاهُمْ غَيْرُنَا فَقَالَ: فَإِنَّمَا مَعْنَى الْحَدِيثِ فِي الْوَلاَءِ؟ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ قُلْت وَلِمَ؟ أَلِأَنَّ الْحَدِيثَ لاَ يَحْتَمِلُهُ؟ قَالَ: بَلْ يَحْتَمِلُهُ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ وَالْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ هَذَا فِي النَّسَبِ قُلْت لَيْسَ كُلُّ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَهُ فِي النَّسَبِ فَمِنْهُمْ مِنْ يُوَرِّثُ الْمُسْلِمَ الْكَافِرَ كَمَا يُجِيزُ لَهُ النِّكَاحَ إلَيْهِ، وَلاَ يُوَرِّثُ الْكَافِرَ الْمُسْلِمَ قَالَ: فَحَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُمْلَةً؟ قُلْت أَجَلْ فِي جَمِيعِ الْكُفَّارِ وَالْحُجَّةُ عَلَى مَنْ قَالَ: هَذَا فِي بَعْضِ الْكَافِرِينَ فِي النَّسَبِ كَالْحَجَّةِ عَلَى مَنْ قَالَ: فِي الْوَلاَءِ قُلْت فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ إنْ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى بِهِ فَقُلْت قَدْ أَخْبَرْتُك أَنَّ مَيْمُونَةَ وَهَبَتْ وَلاَءَ بَنِي يَسَارٍ لِابْنِ عَبَّاسٍ فَأَتَهَيَّبُهُ وَقُلْت: إذَا جَاءَ الْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُمْلَةً فَهُوَ عَلَى جُمْلِهِ، وَلَمْ نُحَمِّلْهُ مَا احْتَمَلَ إلَّا بِدَلاَلَةٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَكَذَلِكَ أَقُولُ قُلْت فَلِمَ لَمْ تَقُلْ هَذَا فِي الْمُسْلِمِ يُعْتِقُ النَّصْرَانِيَّ مَعَ أَنَّ الَّذِي رَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ وَضَعَ مِيرَاثَ مَوْلًى لَهُ نَصْرَانِيٍّ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَهَذَا أَثْبَتُ الْحَدِيثَيْنِ عَنْهُ وَأَوْلاَهُمَا بِهِ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَالْحُجَّةُ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلاَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ»، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ خِلاَفُ هَذَا قَالَ، فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ تَرْكَ شَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ لَهُ قُلْت نَعَمْ وَأَظْهَرُ مَعَانِيهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرِثَ كَافِرًا وَأَنَّهُ إذَا مَنَعَ الْمِيرَاثَ لِلْوَلَدِ وَالْوَالِدِ وَالزَّوْجِ بِالْكُفْرِ كَانَ مِيرَاثُ الْمَوْلَى أَوْلَى أَنْ يَمْنَعَهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَبْعَدُ مِنْ ذِي النَّسَبِ قَالَ: فَمَا حُجَّتُك عَلَى أَحَدٍ إنْ خَالَفَك فِي الرَّجُلِ يُعْتِقُ عَبْدَهُ عَنْ الرَّجُلِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَقَالَ الْوَلاَءُ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ دُونَ الْمُعْتِقِ لِعَبْدِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ الْعِتْقَ عَنْهُ؟ قُلْت أَصْلُ حُجَّتِي عَلَيْك مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»، وَهَذَا مُعْتِقٌ قَالَ، فَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهُ إنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْهُ بِأَمْرِهِ كَانَ الْوَلاَءُ لِلْآمِرِ الْمُعْتَقِ عَنْهُ عَبْدُهُ، وَهَذَا مُعْتَقٌ عَنْهُ قُلْت نَعَمْ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إذَا أُعْتِقَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ فَإِنَّمَا مَلَّكَهُ عَبْدَهُ وَأَعْتَقَهُ عَنْهُ بَعْدَمَا مَلِكَهُ قَالَ: أَفَقَبَضَهُ الْمَالِكُ الْمُعْتَقُ عَنْهُ؟ قُلْت إذَا أَعْتَقَهُ عَنْهُ بِأَمْرِهِ فَعِتْقُهُ أَكْثَرُ مِنْ قَبْضِهِ هُوَ لَوْ قَبَضَهُ قَالَ: وَمِنْ أَيْنَ؟ قُلْت إذَا جَازَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْمُرَ الرَّجُلَ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَ نَفْسِهِ فَأَعْتَقَهُ فَجَازَ بِأَنَّهُ وَكِيلٌ لَهُ مَاضِي الْأَمْرِ فِيهِ مَا لَمْ يَرْجِعْ فِي وَكَالَتِهِ وَجَازَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْعَبْدَ مِنْ الرَّجُلِ فَيُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ تَفَرُّقِهِمَا عَنْ الْمَقَامِ الَّذِي تَبَايَعَا فِيهِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ فَيَنْفُذُ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ جَازَ إذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُ الْعَبْدِ عَبْدَهُ أَنْ يُنَفِّذَ عَلَيْهِ عِتْقَهُ وَعِتْقَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ قَالَ: وَالْوَلاَءُ لِلْآمِرِ قُلْت نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ مُعْتِقٌ قَالَ: وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ مُعْتِقًا، وَإِنَّمَا أَعْتَقَ عَنْهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ؟ قُلْت إذَا أَمَرَ بِالْعِتْقِ رَجُلاً فَأَعْتَقَ عَنْهُ فَهُوَ وَكِيلٌ لَهُ جَائِزُ الْعِتْقِ، وَهُوَ الْمُعْتِقُ إذَا وَكَّلَ وَنَفَذَ الْعِتْقُ بِأَمْرِهِ قَالَ: فَكَيْفَ؟ قُلْت فِي الرَّجُلِ يُعْتِقُ عَنْ غَيْرِهِ عَبْدَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ الْعِتْقُ جَائِزٌ قُلْت نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ مَا يَمْلِكُ قَالَ أَرَأَيْت قَوْلَهُ هُوَ حُرٌّ عَنْ فُلاَنٍ أَلِهَذَا مَعْنًى؟ قُلْت أَمَّا مَعْنَى لَهُ حُكْمٌ يَرُدُّ بِهِ الْعِتْقَ أَوْ يَنْتَقِلُ بِهِ الْوَلاَءُ فَلاَ، قَالَ: فَمَا الْحُجَّةُ فِي هَذَا سِوَى مَا ذَكَرْت أَرَأَيْت لَوْ قَالَ: إذَا أَعْتَقَهُ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَقَبِلَ الْعِتْقَ كَانَ لَهُ الْوَلاَءُ قُلْت إذًا يَلْزَمُهُ فِيهِ الْعِلَّةُ الَّتِي لاَ نَرْضَى أَنْ نَقُولَهُ قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قُلْت يُقَالُ لَهُ هَلْ يَكُونُ الْعِتْقُ إلَّا لِمَالِكٍ؟ قَالَ: يَقُولُ لاَ قُلْنَا فَمَتَى مَلَكَ؟ قَالَ: حِينَ قَبِلَ قُلْت أَفَرَأَيْت حِينَ قَبِلَ أَقَبِلَ حُرًّا، أَوْ مَمْلُوكًا؟ قَالَ: فَأَقُولُ بَلْ قَبِلَ حُرًّا قُلْنَا أَفَيُعْتَقُ حُرًّا أَوْ يَمْلِكُهُ قَالَ: فَأَقُولُ بَلْ حِينَ فَعَلَ عَلِمْنَا أَنَّهُ كَانَ مَالِكًا حِين وَهَبَهُ لَهُ قُلْت أَفَرَأَيْت إنْ قَالَ: لَك قَدْ قَبِلْت وَأَبْطَلْت عِتْقَك أَيَكُونُ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ مَمْلُوكًا لَهُ؟ قَالَ وَكَيْفَ يَكُونُ مَمْلُوكًا لَهُ؟ قُلْت تَجْعَلُهُ بِإِعْتَاقِهِ إيَّاهُ عَنْهُ مَمْلُوكًا لَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ، وَإِذَا مَلَّكْتنِي عَبْدَك، ثُمَّ أَعْتَقْته أَنْتَ، جَازَ تَمْلِيكُك إيَّايَ وَبَطَلَ عَنْهُ عِتْقُك إذَا لَمْ أُحْدِثْ لَهُ عِتْقًا، وَلَمْ آمُرَك تُحْدِثُهُ لِي قَالَ: هَذَا يَلْزَمُ مَنْ قَالَ هَذَا، وَهَذَا خَطَأٌ بَيِّنٌ مَا يَمْلِكُهُ إيَّاهُ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الرِّقِّ وَمَا أَخْرَجَهُ مِنْ الرِّقِّ غَيْرُهُ فَالْوَلاَءُ لَهُ كَمَا قُلْت، وَهَذَا قَوْلٌ قَدْ قَالَهُ غَيْرُك مِنْ أَصْحَابِنَا أَفَتُوَضِّحُهُ لِي بِشَيْءٍ؟ قُلْت نَعَمْ أَرَأَيْت لَوْ أَعْتَقْت عَبْدًا لِي ثُمَّ قُلْت بَعْدَ عِتْقِهِ قَدْ جَعَلْت أَجْرَهُ وَوَلاَءَهُ الْآنَ لَك؟ قَالَ: فَلاَ يَكُونُ لِي أَجْرُهُ، وَلاَ، وَلاَؤُهُ، وَإِنَّمَا يَقَعُ الْأَجْرُ وَالْوَلاَءُ يَوْمَ أَعْتَقْت فَلَمَّا أَعْتَقْت عَنْ نَفْسِك لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى أَجْرِك كَمَا لاَ يَنْتَقِلُ أَجْرُ عَمَلِك غَيْرِ هَذَا إلَيَّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقُلْت لَهُ الْوَلاَءُ لاَ يَمْلِكُهُ إلَّا مَنْ أَعْتَقَ، وَلاَ يَكُونُ لِمَنْ أَعْتَقَ إخْرَاجُهُ مِنْ مِلْكِهِ إلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ غَيْرُ الْأَمْوَالِ الْمَمْلُوكَةِ الَّتِي يُحَوِّلُهَا النَّاسُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إلَى أَمْوَالِ مَنْ شَاءُوا قَالَ نَعَمْ قُلْت فَهَذِهِ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ خَالَفَنَا فِي هَذَا.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: إذَا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْوَدِيعَةَ وَأَرَادَ الْمُسْتَوْدِعُ سَفَرًا فَلَمْ يَثِقْ بِأَحَدٍ يَجْعَلُهَا عِنْدَهُ فَسَافَرَ بِهَا بِرًّا أَوْ بَحْرًا فَهَلَكَتْ ضَمِنَ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ سَفَرًا فَجَعَلَ الْوَدِيعَةَ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ، وَكَذَلِكَ إنْ دَفَنَهَا، وَلَمْ يُعْلِمْ بِهَا أَحَدًا يَأْمَنُهُ عَلَى مَالِهِ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ، وَكَذَلِكَ إنْ دَفَنَهَا، وَلَمْ يَخْلُفْ فِي مَنْزِلِهِ أَحَدًا يَحْفَظُهُ فَهَلَكَتْ، ضَمِنَ. وَإِذَا أُودَعَ الرَّجُلُ الْوَدِيعَةَ فَتَعَدَّى فِيهَا فَلَمْ تَهْلِك حَتَّى أَخَذَهَا وَرَدَّهَا فِي مَوْضِعِهَا فَهَلَكَتْ ضَمِنَ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ حَدِّ الْأَمَانَةِ إلَى أَنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا ضَامِنًا لِلْمَالِ بِكُلِّ حَالٍّ حَتَّى يُحْدِثَ لَهُ الْمُسْتَوْدِعُ أَمَانَةً مُسْتَقْبَلَةً، وَكَذَلِكَ لَوْ تَكَارَى دَابَّةً إلَى بَلَدٍ فَتَعَدَّى بِهَا ذَاهِبًا، أَوْ جَائِيًا ثُمَّ رَدَّهَا سَالِمَةً إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي لَهُ فِي الْكِرَاءِ فَهَلَكَتْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَدْفَعَهَا كَانَ لَهَا ضَامِنًا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ صَارَ مُتَعَدِّيًا وَمَنْ صَارَ مُتَعَدِّيًا لَمْ يَبْرَأْ حَتَّى يَدْفَعَ إلَى مَنْ تَعَدَّى عَلَيْهِ مَالَهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ سَرَقَ دَابَّةً لِرَجُلٍ مِنْ حِرْزِهَا، ثُمَّ رَدَّهَا إلَى حِرْزِهَا فَهَلَكَتْ ضَمِنَ، وَلاَ يَبْرَأُ مَنْ ضَمِنَ إلَّا بِدَفْعِ مَا ضَمِنَ إلَى مَالِكِهِ. وَلَوْ أَوْدَعَهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَتَعَدَّى مِنْهَا فِي دِرْهَمٍ فَأَخْرَجَهُ فَأَنْفَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَهُ فَرَدَّهُ بِعَيْنِهِ، ثُمَّ هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ ضَمِنَ الدِّرْهَمَ، وَلاَ يَضْمَنُ التِّسْعَةَ لِأَنَّهُ تَعَدَّى بِالدِّرْهَمِ، وَلَمْ يَتَعَدَّ بِالتِّسْعَةِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ، ثُمَّ رَدَّهُ بِعَيْنِهِ ضَمِنَهُ قَالَ الرَّبِيعُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إنْ كَانَ الدِّرْهَمُ الَّذِي أَخَذَهُ، ثُمَّ وَضَعَ غَيْرَهُ مَعْرُوفًا مِنْ الدَّرَاهِمِ ضَمِنَ الدِّرْهَمَ، وَلَمْ يَضْمَنْ التِّسْعَةَ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَتَمَيَّزُ ضَمِنَ الْعَشَرَةَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا أَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الدَّابَّةَ فَأَمَرَهُ بِسَقْيِهَا وَعَلَفِهَا فَأَمَرَ بِذَلِكَ مَنْ يَسْقِي دَوَابَّهُ وَيَعْلِفُهَا فَتَلِفَتْ مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ سَقَى دَوَابَّهُ فِي دَارِهِ فَبَعَثَ بِهَا خَارِجًا مِنْ دَارِهِ ضَمِنَ، قَالَ: وَإِذَا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الدَّابَّةَ فَلَمْ يَأْمُرْهُ بِسَقْيِهَا، وَلاَ عَلَفِهَا، وَلَمْ يَنْهَهُ فَحَبَسَهَا الْمُسْتَوْدَعُ مُدَّةً إذَا أَتَتْ عَلَى مِثْلِهَا، وَلَمْ تَأْكُلْ، وَلَمْ تَشْرَبْ تَلِفَتْ فَتَلِفَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ كَانَتْ تَلِفَتْ فِي مُدَّةٍ قَدْ تُقِيمُ الدَّوَابُّ فِي مِثْلِهَا، وَلاَ تَتْلَفُ فَتَلِفَتْ لَمْ يَضْمَنْ مَنْ تَرَكَهَا. وَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِ الدَّابَّةَ وَأَمَرَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا مِمَّنْ يَرْكَبُهَا بِسَرْجٍ فَأَكْرَاهَا مِمَّنْ يَحْمِلُ عَلَيْهَا فَعَطِبَتْ ضَمِنَ، وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا مِمَّنْ يَحْمِلُ عَلَيْهَا تِبْنًا فَأَكْرَاهَا مِمَّنْ يَحْمِلُ عَلَيْهَا حَدِيدًا فَعَطِبَتْ ضَمِنَ، وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا مِمَّنْ يَحْمِلُ عَلَيْهَا حَدِيدًا فَأَكْرَاهَا مِمَّنْ يَحْمِلُ عَلَيْهَا تِبْنًا بِوَزْنِهِ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ يَفْتَرِشُ عَلَيْهَا مِنْ التِّبْنِ مَا يَعُمُّ فَيَقْتُلُ وَيَجْمَعُ عَلَيْهَا مِنْ الْحَدِيدِ مَا يَلْهَدُ فيتلعى وَيَرْمِ فَيَقْتُلُ، وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا مِمَّنْ يَرْكَبُ بِسَرْجٍ فَأَكْرَاهَا مِمَّنْ يَرْكَبُهَا بِلاَ سَرْجٍ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ مَعْرُوفًا أَنَّ السَّرْجَ أُوقَى لَهَا، وَإِنْ كَانَ يُعْرَفُ أَنَّهُ لَيْسَ بِأَوْقَى لَهَا لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ زَادَهَا خِفَّةً، وَلَوْ كَانَتْ دَابَّةً ضَئِيلَةً فَأَكْرَاهَا مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهَا لاَ تُطِيقُ حَمْلَهُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَلَّطَهُ عَلَى أَنْ يُكْرِيَهَا فَإِنَّمَا يُسَلِّطُهُ عَلَى أَنْ يُكْرِيَهَا مِمَّنْ تَحْمِلُهُ فَأَكْرَاهَا مِمَّنْ لاَ تَحْمِلُهُ ضَمِنَ، وَإِذَا أَمَرَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا مِمَّنْ يَرْكَبُهَا بِسَرْجٍ فَأَكْرَاهَا مِمَّنْ يَرْكَبُهَا بِإِكَافٍ فَكَانَ الْإِكَافُ أَعُمَّ، أَوْ أَضُرُّ فِي حَالٍ ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ أَخَفَّ أَوْ مِثْلَ السَّرْجِ لَمْ يَضْمَنْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْوَدِيعَةَ فَأَرَادَ الْمُسْتَوْدِعُ السَّفَرَ فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ حَاضِرًا، أَوْ وَكِيلٌ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ حَتَّى يَرُدّهَا إلَيْهِ، أَوْ إلَى وَكِيلِهِ، أَوْ يَأْذَنَا لَهُ أَنْ يُودَعَهَا مِنْ رَأَى، فَإِنْ فَعَلَ فَأُودَعَهَا مَنْ شَاءَ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ إذَا لَمْ يَأْذَنَا لَهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَأُودَعَهَا مَنْ يُودِعُ مَالَهُ مِمَّنْ يَكُونُ أُمَّيْنَا عَلَى ذَلِكَ فَهَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ، فَإِنْ أُودَعَهَا مِمَّنْ يُودِعُ مَالَهُ مِمَّنْ لَيْسَتْ لَهُ أَمَانَةٌ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُودِعُ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، أَوْ حُرًّا، أَوْ عَبْدًا أَوْ ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَهْلِكَ مَالَهُ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَهْلِكَ مَالَ غَيْرِهِ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِمَالِهِ غَيْرَ أَمِينٍ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِأَمَانَتِهِ غَيْرَ أَمِينٍ. وَهَكَذَا لَوْ مَاتَ الْمُسْتَوْدَعُ فَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ بِمَالِهِ الْوَدِيعَةِ، أَوْ الْوَدِيعَةِ دُونَ مَالِهِ فَهَلَكَتْ فَإِنْ كَانَ الْمُوصَى إلَيْهِ الْوَدِيعَةِ أَمِينًا لَمْ يَضْمَنْ الْمَيِّتُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ أَمِينٍ ضَمِنَ. وَلَوْ اسْتَوْدَعَهُ إيَّاهَا فِي قَرْيَةٍ آهِلَةٍ فَانْتَقَلَ إلَى قَرْيَةٍ غَيْرِ آهِلَةٍ، أَوْ فِي عُمْرَانٍ مِنْ الْقَرْيَةِ فَانْتَقَلَ إلَى خَرَابٍ مِنْ الْقَرْيَةِ وَهَلَكَتْ ضَمِنَ فِي الْحَالَيْنِ، وَلَوْ اسْتَوْدَعَهُ إيَّاهَا فِي خَرَابٍ فَانْتَقَلَ إلَى عِمَارَةٍ، أَوْ فِي خَوْفٍ فَانْتَقَلَ إلَى مَوْضِعٍ آمِنٍ لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا؛ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا، وَلَوْ كَانَ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يُخْرِجَهَا مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ فَتَعَدَّى فَأَخْرَجَهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ، فَإِنْ كَانَتْ ضَرُورَةٌ فَأَخْرَجَهَا إلَى مَوْضِعٍ أَحْرَزَ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ لَمْ يَضْمَنْ. وَذَلِكَ مِثْلُ النَّارِ تَغْشَاهُ وَالسَّيْلِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي السَّيْلِ، أَوْ النَّارِ فَقَالَ: الْمُسْتَوْدِعُ لَمْ يَكُنْ سَيْلٌ، وَلاَ نَارٌ وَقَالَ: الْمُسْتَوْدَعُ قَدْ كَانَ فَإِنْ كَانَ يُعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ ذَلِكَ بِعَيْنٍ تُرَى، أَوْ أَثَرٍ يَدُلُّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَوْدَعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَوْدِعِ، وَمَتَى مَا قُلْت لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينَ إنْ شَاءَ الَّذِي يُخَالِفُهُ أَحْلَفَهُ. قَالَ: وَإِذَا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْوَدِيعَةَ فَاخْتَلَفَا فَقَالَ: الْمُسْتَوْدِعُ دَفَعْتهَا إلَيْك وَقَالَ: الْمُسْتَوْدَعُ لَمْ تَدْفَعْهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَوْدَعِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا غَيْرَ أَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ قَالَ: أَمَرْتنِي أَنْ أَدْفَعَهَا إلَى فُلاَنٍ فَدَفَعْتهَا وَقَالَ الْمُسْتَوْدِعُ لَمْ آمُرْك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَوْدِعِ وَعَلَى الْمُسْتَوْدَعِ الْبَيِّنَةُ. وَإِنَّمَا فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ غَيْرُ الْمُسْتَوْدَعِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} فَالْأَوَّلُ إنَّمَا ادَّعَى دَفْعَهَا إلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ، وَالثَّانِي إنَّمَا ادَّعَى دَفْعَهَا إلَى غَيْرِ الْمُسْتَوْدَعِ بِأَمْرِهِ فَلَمَّا أَنْكَرَ أَنَّهُ أَمَرَهُ أُغْرِمَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ غَيْرُ الدَّافِعِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} وَقَالَ عَزَّ اسْمُهُ: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأُشْهِدُوا عَلَيْهِمْ}، وَذَلِكَ أَنَّ وَلِيَّ الْيَتِيمِ إنَّمَا هُوَ وَصِيُّ أَبِيهِ، أَوْ وَصِيٌّ وَصَّاهُ الْحَاكِمُ لَيْسَ أَنَّ الْيَتِيمَ اسْتَوْدَعَهُ، فَلَمَّا بَلَغَ الْيَتِيمُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَمْرٌ فِي نَفْسِهِ وَقَالَ: لَمْ أَرْضَ أَمَانَةَ هَذَا، وَلَمْ أَسْتَوْدِعْهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَوْدِعِ كَانَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ إنْ أَرَادَ أَنْ يَبْرَأَ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ، فَإِذَا أَقَرَّ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ قَبَضَ بِأَمْرِ الْمُسْتَوْدِع فَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ قَائِمَةً رَدَّهَا، وَإِنْ كَانَ اسْتَهْلَكَهَا رَدَّ قِيمَتَهَا، فَإِنْ قَالَ هَلَكَتْ بِغَيْرِ اسْتِهْلاَكٍ، وَلاَ تَعَدٍّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَلاَ يَضْمَنُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الدَّافِعَ إلَيْهِ بَعْدُ إنَّمَا دَفَعَ إلَيْهِ بِقَوْلِ رَبِّ الْوَدِيعَةِ. قَالَ: وَإِذَا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْمَالَ فِي خَرِيطَةٍ فَحَوَّلَهَا إلَى غَيْرِهَا، فَإِنْ كَانَتْ الَّتِي حَوَّلَهَا إلَيْهَا حِرْزًا كَاَلَّتِي حَوَّلَهَا مِنْهَا لاَ يَضْمَنُ، وَإِنْ كَانَتْ لاَ تَكُونُ حِرْزًا ضَمِنَ إنْ هَلَكَتْ، وَإِنْ اسْتَوْدَعَهُ إيَّاهَا عَلَى أَنْ يَجْعَلَهَا فِي صُنْدُوقٍ عَلَى أَنْ لاَ يَرْقُدَ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى أَنْ لاَ يُقْفِلَهُ أَوْ عَلَى أَنْ لاَ يَضَعَ عَلَيْهِ مَتَاعًا فَرَقَدَ عَلَيْهِ، أَوْ أَقْفَلَهُ، أَوْ وَضَعَ عَلَيْهِ مَتَاعًا فَسُرِقَ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا. وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَوْدَعَهُ عَلَى أَنْ يَدْفِنَهَا فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْبَيْتِ، وَلاَ يَبْنِيَ عَلَيْهِ فَوَضَعَهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَبَنَى عَلَيْهِ بُنْيَانًا بِلاَ أَنْ يَكُونَ مُخْرِجًا لَهَا مِنْ الْبَيْتِ فَسُرِقَتْ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ زَادَهَا بِالْبِنَاءِ حِرْزًا. وَإِذَا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْوَدِيعَةَ عَلَى أَنْ يَجْعَلَهَا فِي بَيْتٍ، وَلاَ يَدْخُلُهُ أَحَدٌ فَأَدْخَلَهُ قَوْمًا فَسَرَقَهَا بَعْضُ الَّذِينَ دَخَلُوا، أَوْ غَيْرُهُمْ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي سَرَقَهَا مِمَّنْ أُدْخِلَهَا فَعَلَيْهِ غُرْمُهَا، وَإِنْ كَانَ الَّذِي سَرَقَ لَمْ يَدْخُلْهُ فَلاَ غُرْمَ عَلَيْهِ. قَالَ وَإِذَا سَأَلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْوَدِيعَةَ فَقَالَ: مَا اسْتَوْدَعْتنِي شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: قَدْ كُنْت اسْتَوْدَعْتنِي فَهَلَكَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ أَخْرُجَ نَفْسَهُ مِنْ الْأَمَانَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ سَأَلَهُ إيَّاهَا فَقَالَ: قَدْ دَفَعْتهَا إلَيْك ثُمَّ قَالَ: بَعْدَ قَدْ ضَاعَتْ فِي يَدِي فَلَمْ أَدْفَعْهَا إلَيْك كَانَ ضَامِنًا، وَلَوْ قَالَ: مَا لَك عِنْدِي شَيْءٌ، ثُمَّ قَالَ كَانَ لَك عِنْدِي شَيْءٌ فَهَلَكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِنْدَهُ شَيْءٌ إذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ. قَالَ وَإِذَا سَأَلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْوَدِيعَةَ فَقَالَ: مَا اسْتَوْدَعْتنِي شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: قَدْ كُنْت اسْتَوْدَعْتنِي فَهَلَكَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ أَخْرُجَ نَفْسَهُ مِنْ الْأَمَانَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ سَأَلَهُ إيَّاهَا فَقَالَ: قَدْ دَفَعْتهَا إلَيْك ثُمَّ قَالَ: بَعْدَ قَدْ ضَاعَتْ فِي يَدِي فَلَمْ أَدْفَعْهَا إلَيْك كَانَ ضَامِنًا، وَلَوْ قَالَ: مَا لَك عِنْدِي شَيْءٌ، ثُمَّ قَالَ كَانَ لَك عِنْدِي شَيْءٌ فَهَلَكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِنْدَهُ شَيْءٌ إذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ. قَالَ وَإِذَا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْوَدِيعَةَ فَوَضَعَهَا فِي مَوْضِعٍ مِنْ دَارِهِ يُحْرَزُ فِيهِ مَالٌ وَيَرَى النَّاسُ مِثْلَهُ حِرْزًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ مِنْ دَارِهِ أَحْرَزَ مِنْهُ فَهَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ وَضَعَهَا فِي مَوْضِعٍ مِنْ دَارِهِ لاَ يَرَاهُ النَّاسُ حِرْزًا، وَلاَ يُحْرَزُ فِيهِ مِثْلُ الْوَدِيعَةِ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ. وَإِذَا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْوَدِيعَةَ ذَهَبَا، أَوْ فِضَّةً فِي مَنْزِلِهِ عَلَى أَنْ لاَ يَرْبِطَهَا فِي كُمِّهِ أَوْ بَعْضِ ثَوْبِهِ فَرَبَطَهَا فَخَرَجَ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ، وَلَوْ كَانَ رَبَطَهَا فِي مَكَانِهِ لِيُحْرِزَهَا فَإِنْ كَانَ إحْرَازُهَا يُمْكِنُهُ فَتَرَكَهَا حَتَّى طَرَّتْ ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ لاَ يُمْكِنهُ بِغَلْقٍ لَمْ يَنْفَتِحُ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ. قَالَ وَإِذْ اسْتَوْدَعَهُ إيَّاهَا خَارِجًا مِنْ مَنْزِلِهِ عَلَى أَنْ يُحْرِزَهَا فِي مَنْزِلِهِ وَعَلَى أَنْ لاَ يَرْبِطَهَا فِي كُمِّهِ فَرَبَطَهَا فَضَاعَتْ فَإِنْ كَانَ رَبَطَهَا مِنْ كُمِّهِ فِيمَا بَيْنَ عَضُدِهِ وَجَنْبِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ رَبَطَهَا ظَاهِرَةً عَلَى عَضُدِهِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَجِدُ مِنْ ثِيَابِهِ شَيْئًا أَحْرَزَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَقَدْ يَجِدُ مِنْ ثِيَابِهِ مَا هُوَ أَحَرَزُ مِنْ إظْهَارِهَا عَلَى عَضُدِهِ، وَإِذَا اسْتَوْدَعَهُ إيَّاهَا عَلَى أَنْ يَرْبِطَهَا فِي كُمِّهِ فَأَمْسَكَهَا فِي يَدِهِ فَانْفَلَتَتْ مِنْ يَدِهِ ضَمِنَ، وَلَوْ كَرِهَهُ رَجُلٌ عَلَى أَخْذِهَا لَمْ يَضْمَنْ، وَذَلِكَ أَنْ يَدَهُ أَحَرَزُ مِنْ كُمِّهِ مَا لَمْ يَجْنِ هُوَ فِي يَدِهِ شَيْئًا هَلَكَ بِهِ. قَالَ وَإِذَا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ انْبَغَى لَهُ أَنْ يَرْفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يَأْمُرَهُ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ وَيَجْعَلَهَا دَيْنًا عَلَى الْمُسْتَوْدِعِ وَيُوَكِّلُ الْحَاكِمُ بِالنَّفَقَةِ مَنْ يَقْبِضُهَا مِنْهُ وَيُنْفِقُهَا غَيْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ أَمِينَ نَفْسِهِ، أَوْ يَبِيعُهَا، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ، وَلاَ يُرْجَع عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ لَهُ دَابَّةً ضَالَّةً، أَوْ عَبْدًا آبِقًا فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ، وَلاَ يُرْجَعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ. وَإِذَا خَافَ هَلاَكَ الْوَدِيعَةِ فَحَمَلَهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَلاَ يَرْجِعُ بِالْكِرَاءِ عَلَى رَبِّ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ بِهِ. قَالَ، وَإِذَا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الذَّهَبَ فَخَلَطَهَا مَعَ وَرِقٍ لَهُ، فَإِنْ كَانَ خَلْطُهَا يُنْقِصُهَا ضَمِنَ النُّقْصَانَ، وَلاَ يَضْمَنُهَا لَوْ هَلَكَتْ، وَإِنْ كَانَ لاَ يُنْقِصُهَا لَمْ يَضْمَنْ، وَكَذَلِكَ لَوْ خَلَطَهَا مَعَ ذَهَبٍ يَتَمَيَّزُ مِنْهَا فَهَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَتَمَيَّزُ مِنْهَا تَمَيُّزًا بَيِّنًا فَهَلَكَتْ ضَمِنَ. وَإِذَا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَأَخَذَ مِنْهَا دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا، ثُمَّ رَدَّ مَكَانَهُ بَدَلَهُ فَإِنْ كَانَ الَّذِي رَدَّ مَكَانَهُ يَتَمَيَّزُ مِنْ دَنَانِيرِهِ وَدَرَاهِمِهِ فَضَاعَتْ الدَّنَانِيرُ كُلُّهَا ضَمِنَ مَا تَسَلَّفَ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي وَضَعَ بَدَلاً مِمَّا أَخَذَ لاَ يَتَمَيَّزُ، وَلاَ يُعْرَفُ فَتَلِفَتْ الدَّنَانِيرُ ضَمِنَهَا كُلَّهَا.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: أَصْلُ قَسْمِ مَا يَقُومُ بِهِ الْوُلاَةُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَالِ ثَلاَثَةُ وُجُوهٍ أَحَدُهَا مَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى طُهُورًا لِأَهْلِ دِينِهِ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} الآيَةَ. فَكُلُّ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مُسْلِمٍ فِي مَالٍ بِلاَ جِنَايَةٍ جَنَاهَا هُوَ، وَلاَ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَعْقِلُ عَنْهُ، وَلاَ شَيْءٍ لَزِمَهُ مِنْ كَفَّارَةٍ، وَلاَ شَيْءٍ أَلْزَمَهُ نَفْسَهُ لِأَحَدٍ، وَلاَ نَفَقَةٍ لَزِمَتْهُ لِوَالِدٍ أَوْ وَلَدٍ، أَوْ مَمْلُوكٍ، أَوْ زَوْجَتِهِ، أَوْ مَا كَانَ فِي مَعْنَى هَذَا فَهُوَ صَدَقَةٌ طُهُور لَهُ، وَذَلِكَ مِثْلُ صَدَقَةِ الْأَمْوَالِ كُلِّهَا عَيْنِيِّهَا وَحَوْلِيِّهَا وَمَاشِيَتِهَا وَمَا وَجَبَ فِي مَالِ مُسْلِمٍ مِنْ زَكَاةٍ، أَوْ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الصَّدَقَةِ فِي كِتَابٍ، أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ أَثَرٍ أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ. وَقَسْمُ هَذَا كُلِّهِ وَاحِدٌ لاَ يَخْتَلِفُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ: {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} الآيَةَ. وَعَلَى الْمُسْلِمِ فِي مَالِهِ إيتَاءُ وَاجِبَةٍ فِي كِتَابٍ، أَوْ سُنَّةٍ لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَذَلِكَ مِثْلُ نَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَالضِّيَافَةِ وَغَيْرِهَا وَمَا لَزِمَ بِالْجِنَايَاتِ وَالْإِقْرَارِ وَالْبُيُوعِ وَكُلُّ هَذَا خُرُوجٌ مِنْ دَيْنٍ، أَوْ تَأْدِيَةُ وَاجِبٍ، أَوْ نَافِلَةٍ يُوصَلُ فِيهَا الْأَجْرُ كُلُّ هَذَا مَوْضُوعٌ عَلَى وَجْهِهِ فِي كِتَابِ الصَّدَقَاتِ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُ فِي صِنْفِهِ الَّذِي هُوَ أَمْلِكُ بِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَمَا أُخِذَ مِنْ مُشْرِكٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ غَيْرِ ضِيَافَةِ مَنْ مَرَّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ لاَ يَخْرُجُ مِنْهُمَا كِلاَهُمَا مُبَيَّنٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي فِعْلِهِ فَأَحَدُهُمَا الْغَنِيمَةُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآيَةَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي الْفَيْءُ، وَهُوَ مَقْسُومٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ فِي سُورَةِ الْحَشْرِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} إلَى قَوْلِهِ: {رَءُوفٌ رَحِيمٌ} فَهَذَانِ الْمَالاَنِ اللَّذَانِ خَوَّلَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى مَنْ جَعَلَهُمَا لَهُ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ، وَهَذِهِ أَمْوَالٌ يَقُومُ بِهَا الْوُلاَةُ لاَ يَسَعُهُمْ تَرْكُهَا وَعَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ ضِيَافَةٌ، وَهَذَا صُلْحٌ صُولِحُوا عَلَيْهِ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ فَهُوَ لِمَنْ مَرَّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَاصٌّ دُون الْعَامِّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَارِجٌ مِنْ الْمَالَيْنِ وَعَلَى الْإِمَامِ إنْ امْتَنَعَ مَنْ صُولِحَ عَلَى الضِّيَافَةِ مِنْ الضِّيَافَةِ أَنْ يُلْزِمَهُ إيَّاهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآيَةَ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} الآيَةَ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} الآيَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَالْغَنِيمَةُ وَالْفَيْءُ يَجْتَمِعَانِ فِي أَنَّ فِيهِمَا مَعًا الْخُمُسَ مِنْ جَمِيعِهِمَا لِمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ فِي الْآيَتَيْنِ مَعًا سَوَاءٌ مُجْتَمَعِينَ غَيْرُ مُفْتَرِقِينَ. قَالَ: ثُمَّ يُتَعَرَّفُ الْحُكْمُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمُسِ بِمَا بَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي فِعْلِهِ فَإِنَّهُ قَسَمَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ وَالْغَنِيمَةُ هِيَ الْمُوجَفُ عَلَيْهَا بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ لِمَنْ حَضَرَ مِنْ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ وَالْفَيْءُ، وَهُوَ مَا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ، وَلاَ رِكَابٍ فَكَانَتْ سَنَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُرَى عُرَيْنَةَ الَّتِي أَفَاءَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً دُونَ الْمُسْلِمِينَ يَضَعُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، قَالَ سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ يَخْتَصِمَانِ إلَيْهِ فِي أَمْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: عُمَرُ «كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولَهُ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ، وَلاَ رِكَابٍ فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِصًا دُونَ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْفِقُ مِنْهَا عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ فَمَا فَضَلَ جَعَلَهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلاَحِ عِدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»، ثُمَّ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَلِيَهَا أَبُو بَكْرٍ بِمِثْلِ مَا وَلِيَهَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ وَلِيَهَا عُمَرُ بِمِثْلِ مَا وَلِيَهَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ سَأَلْتُمَانِي أَنْ أُوَلِّيكُمَاهَا فَوَلَّيْتكُمَاهَا عَلَى أَنْ تَعْمَلاَ فِيهَا بِمِثْلِ مَا وَلِيَهَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ وَلِيَهَا بِهِ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ وَلِيتهَا بِهِ فَجِئْتُمَانِي تَخْتَصِمَانِ أَتُرِيدَانِ أَنْ أَدْفَعَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا نِصْفًا أَتُرِيدَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ مَا قَضَيْت بِهِ بَيْنَكُمَا أَوَّلاً؟ فَلاَ وَاَللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ لاَ أَقْضِي بَيْنَكُمَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إلَيَّ أَكْفِكُمَاهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقَالَ: لِي سُفْيَانُ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ الزُّهْرِيِّ وَلَكِنْ أَخْبَرَنِيهِ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قُلْت كَمَا قَصَصْت؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ الَّتِي أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ عليه الصلاة والسلام الَّتِي يَذْكُرُ عُمَرُ فِيهَا مَا بَقِيَ فِي يَدَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْخُمُسِ وَبَعْدَ أَشْيَاءَ قَدْ فَرَّقَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا بَيْنَ رِجَالٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَمْ يُعْطِ مِنْهَا أَنْصَارِيًّا إلَّا رَجُلَيْنِ ذَكَرَا فَقْرًا، وَهَذَا مُبَيَّنٌ فِي مَوْضِعِهِ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ عُمَرَ إنَّمَا حَكَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَهُوَ أَمْضَيَا مَا بَقِيَ مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ الَّتِي كَانَتْ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَجْهِ مَا رَأَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ بِهِ فِيهَا وَأَنَّهُمَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مِمَّا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْفَيْءِ مَا كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُمَا كَانَا فِيهِ أُسْوَةً لِلْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ سِيرَتُهُمَا وَسِيرَةُ مَنْ بَعْدَهُمَا، وَالْأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَنَا عَلِمْته، وَلَمْ يَزَلْ يُحْفَظُ مِنْ قَوْلِهِمْ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ مَا كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَفِيِّ الْغَنِيمَةِ، وَلاَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ مَا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ مِنْهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ مَضَى مَنْ كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَزْوَاجِهِ وَغَيْرِهِنَّ لَوْ كَانَ مَعَهُنَّ فَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ: لِوَرَثَتِهِمْ تِلْكَ النَّفَقَةُ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ، وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنْ تُجْعَلَ تِلْكَ النَّفَقَاتُ حَيْثُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْعَلُ فُضُولَ غَلَّاتِ تِلْكَ الْأَمْوَالِ فِيمَا فِيهِ صَلاَحٌ الْإِسْلاَمِ وَأَهْلِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَمَا صَارَ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ مِنْ فَيْءٍ لَمْ يُوجَف عَلَيْهِ فَخُمُسُهُ حَيْثُ قَسَمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ عَلَى مَا سَأُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَقَدْ سَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فِيهِ الدَّلاَلَةُ عَلَى مَا وَصَفْت. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ يَقْتَسِمَنَّ وَرَثَتِي دِينَارًا مَا تَرَكْت بَعْدَ نَفَقَةِ أَهْلِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ» أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمِثْلِ مَعْنَاهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَنَّ النَّفَقَةَ إنَّمَا هِيَ جَارِيَةٌ بِقُوتٍ مِنْهُ عَلَى أَعْيَانِ أَهْلِهِ وَأَنَّ مَا فَضَلَ مِنْ نَفَقَتِهِمْ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَمَنْ وُقِفَتْ لَهُ نَفَقَةٌ لَمْ تَكُنْ مَوْرُوثَةً عَنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْجِزْيَةُ مِنْ الْفَيْءِ وَسَبِيلُهَا سَبِيلُ جَمِيعِ مَا أُخِذَ مِمَّا أُوجِفَ مِنْ مَالِ مُشْرِكٍ أَنْ يُخَمَّسَ فَيَكُونَ لِمَنْ سَمَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْخُمُسُ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ عَلَى مَا سَأُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ مُشْرِكٍ بِغَيْرِ إيجَافٍ، وَذَلِكَ مِثْلُ مَا أُخِذَ مِنْهُ إذَا اخْتَلَفَ فِي بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ وَمِثْلُ مَا أُخِذَ مِنْهُ إذَا مَاتَ، وَلاَ وَارِثَ لَهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا أُخِذَ مِنْ مَالِهِ، وَقَدْ كَانَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُتُوحٌ فِي غَيْرِ قُرَى عُرَيْنَةَ الَّتِي وَعَدَهَا اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ فَتْحِهَا فَأَمْضَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّهَا لِمَنْ هِيَ، وَلَمْ يَحْبِسْ مِنْهَا مَا حَبَسَ مِنْ الْقُرَى الَّتِي كَانَتْ لَهُ، وَذَلِكَ مِثْلُ جِزْيَةِ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ وَهَجَرُ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيْءٌ مِنْ غَيْرِ قُرَى عُرَيْنَةَ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ فَكَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا يُمْضِيهَا حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا يُمْضِي مَالَهُ وَأَوْفَى خُمُسَهُ مَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ، فَإِنْ قَالَ: قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ؟ قِيلَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَدِيثَ. قَالَ الرَّبِيعُ قَالَ: غَيْرُ الشَّافِعِيِّ «قَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَابِرٍ لَوْ جَاءَنِي مَالُ الْبَحْرَيْنِ لاََعْطَيْتُك هَكَذَا وَهَكَذَا» فَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَأْتِهِ فَجَاءَ أَبَا بَكْرٍ فَأَعْطَانِي.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا غَزَا الْمُسْلِمُونَ بِلاَدَ أَهْلِ الْحَرْبِ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَغَنِمُوا أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ أَوْ بَعْضَ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ فَالسُّنَّةُ فِي قَسْمِهِ أَنْ يَقْسِمَهُ الْإِمَامُ مُعَجَّلاً عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ كَثِيرٌ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ آمِنِينَ لاَ يَكُرُّ عَلَيْهِمْ الْعَدُوُّ فَلاَ يُؤَخِّرْ قَسْمَهُ إذَا أَمْكَنَهُ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي غَنِمَهُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ بِلاَدَ حَرْبٍ أَوْ كَانَ يَخَافُ كَرَّةَ الْعَدُوِّ عَلَيْهِمْ أَوْ كَانَ مَنْزِلُهُ غَيْرَ رَافِقٍ بِالْمُسْلِمِينَ تَحَوَّلَ عَنْهُ إلَى أَرْفَقَ بِهِمْ مِنْهُ وَآمَنَ لَهُمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ، ثُمَّ قَسَمَهُ، وَإِنْ كَانَتْ بِلاَدَ شِرْكٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ أَمْوَالَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَسَبْيَهُمْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي غَنِمَهُ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْهُ وَمَا حَوْلَهُ كُلُّهُ بِلاَدُ شِرْكٍ وَقَسَمَ أَمْوَالَ أَهْلِ بَدْرٍ بِسَيْر عَلَى أَمْيَالٍ مِنْ بَدْرٍ وَمَنْ حَوْلَ سِيَرَ وَأَهْلُهُ مُشْرِكُونَ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَسَمَهُ بِسَيْر؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَتَحَوَّلَ إلَى مَوْضِعٍ لَعَلَّ الْعَدُوَّ لاَ يَأْتُونَهُ فِيهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سِيَرُ أَوَصَفَ بِهِمْ فِي الْمَنْزِلِ مِنْ بَدْر. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَكْثَرُ مَا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَرَاءُ سَرَايَاهُ مَا غَنِمُوا بِبِلاَدِ أَهْلِ الْحَرْبِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَا وَصَفْت مِنْ قَسْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَرَايَاهُ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَنَا لاَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَقَالَ: لِي بَعْضُ النَّاسِ لاَ تُقْسَمُ الْغَنِيمَةُ إلَّا فِي بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ وَبَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِهِ خَالَفَهُ وَقَالَ: فِيهِ قَوْلَنَا وَالْحُجَّةُ عَلَى مَنْ خَالَفَنَا فِيهِ مَا وَصَفْنَا مِنْ الْمَعْرُوفِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْقَسْمِ بِبِلاَدِ الْعَدُوِّ، وَإِذَا حَوَّلَهُ الْإِمَامُ عَنْ مَوْضِعِهِ إلَى مَوْضِعٍ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَتْ مَعَهُ حَمُولَةٌ حَمَلَهُ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعَهُ فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْمِلُوهُ لَهُ إنْ كَانَ مَعَهُمْ حُمُولَة بِلاَ كِرَاءٍ، وَإِنْ امْتَنَعُوا فَوَجَدَ كِرَاءً كَارَى عَلَى الْغَنَائِمِ وَاسْتَأْجَرَ عَلَيْهَا ثُمَّ أَخْرَجَ الْكِرَاءَ وَالْإِجَارَةَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ قَالَ: قَائِلٌ يُجْبَرُ مَنْ مَعَهُ فَضْلُ مَحْمَلٍ كَانَ مَذْهَبًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَمُولَةً، وَلَمْ يَحْمِلْ الْجَيْشُ قَسَمَهُ مَكَانَهُ، ثُمَّ مَنْ شَاءَ أَخَذَ مَالَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ قَالَ: قَائِلٌ يُجْبَرُونَ عَلَى حَمْلِهِ بِكِرَاءِ مِثْلِهِمْ؛ لِأَنَّ هَذَا مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ كَانَ مَذْهَبًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا خَرَجَتْ سَرِيَّةٌ مِنْ عَسْكَرٍ فَغَنِمَتْ غَنِيمَةً فَالْأَمْرُ فِيهَا كَمَا وَصَفْت فِي الْجَيْشِ فِي بِلاَدِ الْعَدُوِّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ سَاقَ صَاحِبُ الْجَيْشِ، أَوْ السَّرِيَّةِ سَبْيًا، أَوْ خُرْثِيًّا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَأَدْرَكَهُ الْعَدُوُّ فَخَافَ أَنْ يَأْخُذُوهُ مِنْهُ، أَوْ أَبْطَأَ عَلَيْهِ بَعْضُ ذَلِكَ فَالْأَمْرُ الَّذِي لاَ أَشُكُّ فِيهِ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ قَتَلَ الْبَالِغِينَ مِنْ الرِّجَالِ قَتَلَهُمْ وَلَيْسَ لَهُ قَتْلُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ، وَلاَ قَتْلُ النِّسَاءِ مِنْهُمْ، وَلاَ عَقْرُ الدَّوَابِّ، وَلاَ ذَبْحُهَا، وَذَلِكَ أَنِّي إنَّمَا وَجَدْت الدَّلاَلَةَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لاَ يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ إنَّ مَا أُبِيحَ قَتْلُهُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ مِنْ الْبَهَائِمِ فَإِنَّمَا أُبِيحَ أَنْ يُذْبَحَ إذَا قُدِرَ عَلَى ذَبْحِهِ لِيُؤْكَلَ، وَلاَ يَقْتُلُ بِغَيْرِ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ الَّذِي هُوَ مِثْلُ الذَّبْحِ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تَصِير الْبَهَائِمُ وَهِيَ أَنْ تُرْمَى بَعْدَمَا تُؤْخَذُ وَأُبِيحَ مَا امْتَنَعَ مِنْهَا بِمَا نِيلَ بِهِ مِنْ سِلاَحٍ لِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ أَنْ يُقْتَلَ لِيُؤْكَلَ وَتِلْكَ ذَكَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ مِنْ ذَكَاتِهِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَمَّا قَتْلُ مَا لاَ يُؤْكَلُ لِضَرَرِهِ وَأَذَاهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعَانِي الْأَعْدَاءِ، أَوْ الْحُوتِ أَوْ الْجَرَادِ فَإِنْ قَتْلَهُ ذَكَاتُهُ، وَهُوَ يُؤْكَلُ بِلاَ ذَكَاةٍ، وَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَلاَ أَجِدُهُ أُبِيحَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ قِيلَ: تُذْبَحُ خَيْلُهُمْ وَتُعْقَرُ وَيُحْتَجُّ بِأَنَّ جَعْفَرًا عَقَرَ عِنْدَ الْحَرْبِ، وَلاَ أَعْلَمُ مَا رُوِيَ عَنْ جَعْفَرٍ مِنْ ذَلِكَ ثَابِتًا لَهُمْ مَوْجُودًا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْمَغَازِي، وَلاَ ثَابِتًا بِالْإِسْنَادِ الْمَعْرُوفِ الْمُتَّصَلِ فَإِنْ كَانَ مَنْ قَالَ: هَذَا إنَّمَا أَرَادَ غَيْظَ الْمُشْرِكِينَ لِمَا فِي غَيْظِهِمْ مِنْ أَنْ يُكْتَبَ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ فَذَلِكَ فِيمَا أُغِيظُوا بِهِ مِمَّا أُبِيحَ لَنَا، وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَ تُوهِينَهُمْ، وَذَلِكَ أَنَا نَجِدُ مِمَّا يُغِيظُهُمْ وَيُوهِنُهُمْ مَا هُوَ مَحْظُورٌ عَلَيْنَا غَيْرُ مُبَاحٍ لَنَا فَإِنْ قَالَ: قَائِلٌ وَمَا ذَلِكَ؟ قُلْنَا قَتْلُ أَبْنَائِهِمْ وَنِسَائِهِمْ، وَلَوْ قُتِلُوا كَانَ أَغِيظَ وَأَهْوَنَ لَهُمْ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ وَقَتْلُ ذَوِي الْأَرْوَاحِ بِغَيْرِ وَجْهِهِ عَذَابٌ فَلاَ يَجُوزُ عِنْدِي لِغَيْرِ مَعْنَى مَا أُبِيحَ مِنْ أَكْلِهِ وَإِطْعَامِهِ، أَوْ قَتْلِ مَا كَانَ عَدُوًّا مِنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَمَّا مَا لاَ رُوحَ فِيهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَلاَ بَأْسَ بِتَحْرِيقِهِ وَإِتْلاَفِهِ بِكُلِّ وَجْهٍ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَقَ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ وَعَقَرَ النَّخْلَ بِخَيْبَرَ وَالْعِنَبَ بِالطَّائِفِ، وَإِنَّ تَحْرِيقَ هَذَا لَيْسَ بِتَعْذِيبٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَأْلَمُ بِالتَّحْرِيقِ إلَّا ذُو رُوحٍ، وَهَذَا مَكْتُوبٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ رَجُلٌ فِي الْحَرْبِ فَعَقَرَ رَجُلٌ فَرَسَهُ رَجَوْت أَنْ لاَ يَكُونَ لَهُ بَأْسٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ضَرُورَةٌ، وَقَدْ يُبَاحُ فِي الضَّرُورَاتِ مَا لاَ يُبَاحُ فِي غَيْرِ الضَّرُورَاتِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: ثُمَّ لاَ يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْخُمُسِ شَيْءٌ غَيْرُ السَّلَبِ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ عَنْ «أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ فَرَأَيْت رَجُلاً مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلاَ رَجُلاً مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالَ فَاسْتَدَرْت لَهُ حَتَّى أَتَيْته مِنْ وَرَائِهِ قَالَ: فَضَرَبْته عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ ضَرْبَةً وَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْت مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي فَلَحِقْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقُلْت لَهُ: مَا بَالُ النَّاسِ؟ فَقَالَ: أَمَرَ اللَّهُ، ثُمَّ إنَّ النَّاسَ رَجَعُوا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ فَقُمْت فَقُلْت مَنْ يَشْهَدُ لِي؟، ثُمَّ جَلَسْت، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ فَقُمْت فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَك يَا أَبَا قَتَادَةَ؟ فَقَصَصْت عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي فَأَرْضِهِ مِنْهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لاَهَا اللَّهِ إذَا لاَ يَعْمِدُ إلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ فَيُعْطِيك سَلَبَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَ فَأُعْطِهِ إيَّاهُ فَأَعْطَانِيهِ فَبِعْت الدِّرْعَ وَابْتَعْت بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ فَإِنَّهُ لاََوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْته فِي الْإِسْلاَمِ».
قَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَنَا وَاَلَّذِي لاَ أَشُكُّ فِيهِ أَنْ يُعْطِيَ السَّلْبَ مَنْ قَتَلَ وَالْمُشْرِكُ مُقْبِلٌ يُقَاتِلُ مِنْ أَيْ جِهَةٍ قَتَلَهُ مُبَارِزًا، أَوْ غَيْرَ مُبَارِزٍ، وَقَدْ أَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَبَ مَرْحَبٍ مَنْ قَتَلَهُ مُبَارِزًا وَأَبُو قَتَادَةَ غَيْرُ مُبَارِزٍ وَلَكِنَّ الْمَقْتُولَيْنِ جَمِيعًا مُقْبِلاَنِ، وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَعْطَى أَحَدًا قَتَلَ مُوَلِّيًا سَلَبَ مَنْ قَتَلَهُ وَاَلَّذِي لاَ أَشُكُّ فِيهِ أَنَّ لَهُ سَلَبَ مَنْ قُتِلَ الَّذِي يَقْتُلُ الْمُشْرِكَ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ وَالْمُشْرِكُونَ يُقَاتِلُونَ وَلِقَتْلِهِمْ هَكَذَا مُؤْنَةٌ لَيْسَتْ لَهُمْ إذَا انْهَزَمُوا، أَوْ انْهَزَمَ الْمَقْتُولُ، وَلاَ أَرَى أَنْ يُعْطَى السَّلْبَ إلَّا مَنْ قَتَلَ مُشْرِكًا مُقْبِلاً، وَلَمْ يَنْهَزِمْ جَمَاعَةُ الْمُشْرِكِينَ، وَإِنَّمَا ذَهَبْت إلَى هَذَا أَنَّهُ لَمْ يُحْفَظْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ أَنَّهُ أَعْطَى السَّلَبَ قَاتِلاً قَتَلَ مُقْبِلاً، وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ سَلَبُهُ» يَوْمَ حُنَيْنٍ بَعْدَمَا قَتَلَ أَبُو قَتَادَةَ الرَّجُلَ، وَفِي هَذَا دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ خَالَفَ السُّنَّةَ فِي هَذَا فَقَالَ: لاَ يَكُونُ لِلْقَاتِلِ السَّلَبُ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ قَبْلَ الْقِتَالِ مِنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ هَذَا مِنْ الْإِمَامِ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ، وَهَذَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَنَا حُكْمٌ، وَقَدْ أَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ اشْتَرَكَ نَفَرٌ فِي قَتْلِ رَجُلٍ كَانَ السَّلَبُ بَيْنَهُمْ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً ضَرَبَ رَجُلاً ضَرْبَةً لاَ يُعَاشُ مِنْ مِثْلِهَا، أَوْ ضَرْبَةً يَكُونُ مُسْتَهْلَكًا مِنْ مِثْلِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقْطَعَ يَدَيْهِ، أَوْ رِجْلَيْهِ ثُمَّ يَقْتُلُهُ آخَرُ كَانَ السَّلَب لِقَاطِعِ الْيَدَيْنِ، أَوْ الرِّجْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَيَّرَهُ فِي حَالٍ لاَ يَمْنَعُ فِيهَا سَلَبَهُ، وَلاَ يَمْتَنِعُ مِنْ أَنْ يَذْفِفْ عَلَيْهِ، وَإِنْ ضَرَبَهُ وَبَقِيَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ نَفْسَهُ، ثُمَّ قَتَلَهُ بَعْدَهُ آخَرُ فَالسَّلَبُ لِلْآخَرِ إنَّمَا يَكُونُ السَّلَبُ لِمَنْ صَيَّرَهُ بِحَالٍ لاَ يَمْتَنِعُ فِيهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالسَّلَبُ الَّذِي يَكُونُ لِلْقَاتِلِ كُلُّ ثَوْبٍ عَلَيْهِ وَكُلُّ سِلاَحٍ عَلَيْهِ وَمِنْطَقَتُهُ وَفَرَسُهُ إنْ كَانَ رَاكِبَهُ، أَوْ مُمْسِكُهُ فَإِنْ كَانَ مُنْفَلِتًا مِنْهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ، وَإِنَّمَا سَلَبُهُ مَا أُخِذَ مِنْ يَدَيْهِ، أَوْ مِمَّا عَلَى بَدَنِهِ، أَوْ تَحْتَ بَدَنِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ كَانَ فِي سَلَبِهِ سِوَارُ ذَهَبٍ، أَوْ خَاتَمٌ، أَوْ تَاجٌ، أَوْ مِنْطَقَةٌ فِيهَا نَفَقَةٌ، فَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ هَذَا مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ سَلَبِهِ كَانَ مَذْهَبًا، وَلَوْ قَالَ: لَيْسَ هَذَا مِنْ عِدَّةِ الْحَرْبِ، وَإِنَّمَا لَهُ سَلَبُ الْمَقْتُولِ الَّذِي هُوَ لَهُ سِلاَحٌ كَانَ وَجْهًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يُخَمَّس السَّلْبُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَعَارَضَنَا مُعَارِضٌ فَذَكَر أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إنَّا كُنَّا لاَ نُخَمِّس السَّلَب وَأَنَّ سَلَبَ الْبَرَاءِ قَدْ بَلَغَ شَيْئًا كَثِيرًا، وَلاَ أَرَى أَنِّي إلَّا خَامِسُهُ قَالَ: فَخَمَّسَهُ وَذُكِرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: السَّلَبُ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَفِيهِ الْخُمُسُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا قَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ» فَآخُذُ خُمُسَ السَّلَبِ أَلَيْسَ إنَّمَا يَكُونُ لِصَاحِبِهِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لاَ كُلُّهُ، وَإِذَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ لَمْ يَجُزْ تَرْكُهُ فَإِنْ قَالَ: قَائِلٌ فَلَعَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى السَّلَبَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَا خَطَرٍ وَعُمَرُ يُخْبِرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُخَمِّسُهُ، وَإِنَّمَا خَمَّسَهُ حِينَ بَلَغَ مَالاً كَثِيرًا فَالسَّلَبُ إذَا كَانَ غَنِيمَةً فَأَخْرَجْنَاهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَهَا وَقُلْنَا قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} عَلَى أَكْثَرِ الْغَنِيمَةِ لاَ عَلَى كُلِّهَا فَيَكُونُ السَّلَبُ مِمَّا لَمْ يُرَدَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَصَفِيُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا غَنِمَ مَأْكُولاً فَأَكَلَهُ مَنْ غَنِمَهُ وَيَكُونُ هَذَا بِدَلاَلَةِ السُّنَّةِ وَمَا بَقِيَ تَحْتَمِلُهُ الْآيَةُ، وَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى السَّلَبَ مَنْ قَتَلَ لَمْ يَجُزْ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُخَمَّسَ وَيُقْسَمَ إذْ كَانَ اسْمُ السَّلَبِ يَكُونُ كَثِيرًا وَقَلِيلاً، وَلَمْ يَسْتَثْنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلِيلَ السَّلَبِ، وَلاَ كَثِيرَهُ أَنْ يَقُولَ يُعْطَى الْقَلِيلُ مِنْ السَّلْبِ دُونَ الْكَثِيرِ وَنَقُولُ دَلَّتْ السُّنَّةُ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِمَا يُخَمَّس مَا سِوَى السَّلَبِ مِنْ الْغَنِيمَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مِنْ خُمْسِ السَّلَبِ عَنْ عُمَرَ لَيْسَتْ مِنْ رِوَايَتِنَا وَلَهُ رِوَايَةٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي زَمَانِ عُمَرَ تُخَالِفُهَا. أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ يُسَمَّى سِيَرَ بْنَ عَلْقَمَةَ قَالَ: بَارَزْت رَجُلاً يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ فَقَتَلْته فَبَلَغَ سَلَبُهُ اثْنَيْ عَشْرَ أَلْفًا فَنَفَّلَنِيهِ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَاثْنَيْ عَشْرَ أَلْفًا كَثِيرٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قِبَلَ نَجْدٍ فَغَنِمُوا إبِلاً كَثِيرَةً كَانَتْ سُهْمَانُهُمْ اثْنَيْ عَشْرَ بَعِيرًا، أَوْ أَحَدَ عَشْرَ بَعِيرًا ثُمَّ نُفِلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا» أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ كَانَ النَّاسُ يُعْطَوْنَ النَّفَلَ مِنْ الْخُمُسِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ إنَّمَا أُعْطُوا مَالَهُمْ مِمَّا أَصَابُوا عَلَى أَنَّهُمْ نُفِلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا وَالنَّفَلُ هُوَ شَيْءٌ زِيدُوهُ غَيْرُ الَّذِي كَانَ لَهُمْ وَقَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ يُعْطُونَ النَّفَلَ مِنْ الْخُمُسِ كَمَا قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَذَلِكَ مِنْ خُمُسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ لَهُ خُمُسًا مِنْ كُلِّ غَنِيمَةٍ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُهُ حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ كَمَا يَضَعُ سَائِرَ مَالِهِ فَكَانَ الَّذِي يُرِيهِ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا فِيهِ صَلاَحُ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَا سِوَى سَهْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَمِيعِ الْخُمُسِ لِمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ فَلاَ يَتَوَهَّمْ عَالَمٌ أَنْ يَكُونَ قَوْمٌ حَضَرُوا فَأَخَذُوا مَالَهُمْ وَأُعْطُوا مِمَّا لِغَيْرِهِمْ إلَّا أَنْ يَطَّوَّعَ بِهِ عَلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالنَّفَلُ فِي هَذَا الْوَجْهِ مِنْ سَهْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْتَهِدَ، فَإِذَا كَثُرَ الْعَدُوُّ وَاشْتَدَّتْ الشَّوْكَةُ وَقَلَّ مَنْ بِإِزَائِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ نَفَل مِنْهُ اتِّبَاعًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَمْ يُنَفِّلْ، وَذَلِكَ أَنَّ أَكْثَرَ مَغَازِي النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَرَايَاهُ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَنْفَالٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالنَّفَلُ فِي أَوَّلِ مَغْزًى وَالثَّانِي وَغَيْرِ ذَلِكَ سَوَاءٌ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ الِاجْتِهَادِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَاَلَّذِي يَخْتَارُ مَنْ أَرْضَى مِنْ أَصْحَابِنَا أَنْ لاَ يُزَادَ أَحَدٌ عَلَى مَالِهِ لاَ يُعْطَى غَيْرَ الْأَخْمَاسِ، أَوْ السَّلَبِ لِلْقَاتِلِ وَيَقُولُونَ لَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ الْأَئِمَّةِ زَادَ أَحَدًا عَلَى حَظِّهِ مِنْ سَلَبٍ، أَوْ سَهْمًا مِنْ مَغْنَمٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا وَصَفْت مِنْ كَثْرَةِ الْعَدُوِّ وَقِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَيُنْفَلُونَ، وَقَدْ رَوَى بَعْضُ الشَّامِيِّينَ فِي النَّفَلِ فِي الْبَدْأَةِ وَالرَّجْعَةِ الثُّلُثُ فِي وَاحِدَةٍ وَالرُّبْعُ فِي الْأُخْرَى وَرِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ نُفِلَ نِصْفَ السُّدُسِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلنَّفَلِ حَدٌّ لاَ يُجَاوِزُهُ الْإِمَامُ وَأَكْثَرُ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إنْفَالٌ، فَإِذَا كَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ لاَ يَنْفُلَ فَنَفَلَ فَيَنْبَغِي لِتَنْفِيلِهِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الِاجْتِهَادِ غَيْرَ مَحْدُودٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إذَا بَعَثَ الْإِمَامُ سَرِيَّةً، أَوْ جَيْشًا فَقَالَ: لَهُمْ قَبْلَ اللِّقَاءِ مَنْ غَنِمَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ بَعْدَ الْخُمُسِ فَذَلِكَ لَهُمْ عَلَى مَا شَرَطَ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ غَزَوَا وَبِهِ رَضُوا وَقَالُوا يُخَمَّسُ جَمِيعُ مَا أَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ غَيْرُ السَّلَبِ فِي إقْبَالِ الْحَرْبِ وَذَهَبُوا فِي هَذَا إلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ: «مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ»، وَذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْخُمُسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَمْ أَعْلَمْ شَيْئًا يَثْبُتُ عِنْدَنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا مَا وَصَفْنَا مِنْ قِسْمَةِ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ بَيْنَ مَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ وَأَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْخَمْسِ عَلَى أَهْلِهِ وَوَضْعِهِ سَهْمَهُ حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ خُمُسُ الْخَمْسِ، وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلِهَذَا مَذْهَبٌ، وَذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا قَاتَلَ هَؤُلاَءِ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَكُلُّ مَا حُصِّلَ مِمَّا غُنِمَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ مِنْ شَيْءٍ قَلَّ، أَوْ كَثُرَ مِنْ دَارٍ، أَوْ أَرْضٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَالِ، أَوْ سَبْيٍ قُسِمَ كُلُّهُ إلَّا الرِّجَالَ الْبَالِغِينَ فَالْإِمَامُ فِيهِمْ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَمُنَّ عَلَى مِنْ رَأَى مِنْهُمْ، أَوْ يَقْتُلَ، أَوْ يُفَادِيَ أَوْ يَسْبِيَ، وَإِنْ مَنَّ، أَوْ قَتَلَ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ سَبَى، أَوْ فَادَى فَسَبِيلُ مَا سَبَى وَمَا أَخَذَ مِمَّا فَادَى سَبِيلُ مَا سِوَاهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَالَ: وَذَلِكَ إذَا أَخَذَ مِنْهُمْ شَيْئًا عَلَى إطْلاَقِهِمْ فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ أَسِيرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيُفَادِيه بِأَسِيرَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ فَذَلِكَ لَهُ، وَلاَ شَيْءَ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى مَنْ فَادَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِأَسَارَى الْمُشْرِكِينَ، وَإِذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ فَلاَ يَعُودَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ مَنْفَعَةٌ يَقْبِضُونَهَا كَانَ أَنْ يَسْتَخْرِجَ أَسِيرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْفَعَ وَأُولَى أَنْ يَجُوزَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَادَى رَجُلاً بِرَجُلَيْنِ».
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِي الرَّجُلِ يَأْسِرُهُ الرَّجُلُ فَيُسْتَرَقُّ، أَوْ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْفِدْيَةُ قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا مَا أُخِذَ مِنْهُ كَالْمَالِ يُغْنَم وَأَنَّهُ إنْ اُسْتُرِقَّ فَهُوَ كَالذُّرِّيَّةِ، وَذَلِكَ يُخَمَّس وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ بَيْنَ جَمَاعَةِ مَنْ حَضَرَ فَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ لِمَنْ أَسَرَهُ، وَهَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ لاَ أَعْلَمُ خَبَرًا ثَابِتًا يُخَالِفُهُ، وَقَدْ قِيلَ الرَّجُلُ مُخَالِفٌ لِلسَّبْيِ وَالْمَالِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ الْقَتْلَ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ وَمَا أُخِذَ مِنْهُ فَلِمَنْ أَخَذَهُ كَمَا يَكُونُ سَلَبُهُ لِمَنْ قَتَلَهُ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ أَشَدُّ مِنْ قَتْلِهِ، وَهَذَا مَذْهَبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْزِلَ خُمُسَ مَا حُصِّلَ بَعْدَمَا وَصَفْنَا كَامِلاً وَيُقِرَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ وَيَحْسِبَ مَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ مِنْ الرِّجَالِ الْمُسْلِمِينَ الْبَالِغِينَ وَيَعْرِفَ مَنْ حَضَرَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَغَيْرِ الْبَالِغِينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ النِّسَاءِ فَيُنَفِّلُهُمْ شَيْئًا فَمَنْ رَأَى أَنْ يُنَفِّلَهُمْ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ لَهُمْ نَفَّلَهُمْ وَسَيُذْكَرُ هَذَا فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. ثُمَّ يَعْرِفُ عَدَدَ الْفُرْسَانِ وَالرَّجَّالَةِ مِنْ بَالِغِي الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ حَضَرُوا الْقِتَالَ فَيَضْرِبُ لِلْفَارِسِ ثَلاَثَةَ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا فَيُسَوِّي بَيْنَ الرَّاجِلِ وَالرَّاجِلِ فَيُعْطَيَانِ سَهْمًا سَهْمًا وَيَفْضُلُ ذُو الْفَرَسِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَدَبَ إلَى اتِّخَاذِ الْخَيْلِ فَقَالَ: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} الآيَةَ، فَأَطَاعَ فِي الرِّبَاطِ وَكَانَتْ عَلَيْهِ مُؤْنَةٌ فِي اتِّخَاذِهِ وَلَهُ غَنَاءٌ بِشُهُودِهِ عَلَيْهِ لَيْسَ الرَّاجِلُ شَبِيهًا بِهِ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ إِسْحَاقَ الْأَزْرَقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ لِلْفَرَسِ بِسَهْمَيْنِ وَلِلْفَارِسِ بِسَهْمٍ» فَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ لاَ يُعْطَى فَرَسٌ إلَّا سَهْمًا وَفَارِسٌ سَهْمًا، وَلاَ يَفْضُلُ فَرَسٌ عَلَى مُسْلِمٍ فَقُلْت لِبَعْضِ مَنْ يَذْهَبُ مَذْهَبَهُ: هُوَ كَلاَمٌ عَرَبِيٌّ، وَإِنَّمَا يُعْطِي الْفَارِسَ بِسَبَبِ الْقُوَّةِ وَالْغَنَاءِ مَعَ السُّنَّةِ وَالْفَرَسُ لاَ يَمْلِكُ شَيْئًا إنَّمَا يَمْلِكُهُ فَارِسُهُ، وَلاَ يُقَالُ لاَ يَفْضُلُ فَرَسٌ عَلَى مُسْلِمٍ وَالْفَرَسُ بَهِيمَةٌ لاَ يُقَاسُ بِمُسْلِمٍ، وَلَوْ كَانَ هَذَا كَمَا قَالَ صَاحِبُك لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسَوَّى بَيْنَ فَرَسٍ وَمُسْلِمٍ، وَفِي قَوْلِهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا خِلاَفُ السُّنَّةِ وَالْآخَرُ قِيَاسُهُ الْفَرَسَ بِالْمُسْلِمِ، وَهُوَ لَوْ كَانَ قِيَاسًا لَهُ دَخَلَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ سَوَّى فَرَسًا بِمُسْلِمٍ وَقَالَ: بَعْضُ أَصْحَابِهِ بِقَوْلِنَا فِي سُهْمَانِ الْخَيْلِ وَقَالَ: هَذِهِ السُّنَّةُ الَّتِي لاَ يَنْبَغِي خِلاَفُهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَحَبُّ الْأَقَاوِيلِ إلَيَّ وَأَكْثَرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْبَرَاذِينَ وَالْمَقَارِيفِ يُسْهَمُ لَهَا سَهْمَانِ الْعَرَبِيَّةِ وَلِأَنَّهَا قَدْ تُغْنِي غَنَاءَهَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاطِنِ وَاسْمُ الْخَيْلِ جَامِعٌ لَهَا، وَقَدْ قِيلَ: يَفْضُلُ الْعَرَبِيُّ عَلَى الْهَجِينِ، وَإِذَا حَضَرَ الرَّجُلُ بِفَرَسَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يُسْهَمْ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُسْهَمَ لِاثْنَيْنِ جَازَ أَنْ يُسْهَمَ لِأَكْثَرَ، وَهُوَ لاَ يُلْفَى أَبَدًا إلَّا عَلَى وَاحِدٍ، وَلَوْ تَحَوَّلَ عَنْهُ كَانَ تَارِكًا لَهُ آخِذَهُ لِمِثْلِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ فِيمَا قُلْت مِنْ أَنْ لاَ يُسْهَمَ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ، وَلاَ خِلاَفَهُ خَبَرٌ يَثْبُتُ مِثْلُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَفِيهِ أَحَادِيثُ مُنْقَطِعَةٌ أَشْبَهَهَا أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ كَانَ يَضْرِبُ فِي الْمَغْنَمِ بِأَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ سَهْمًا لَهُ وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ وَسَهْمًا فِي ذِي الْقُرْبَى.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِسَهْمِ ذِي الْقُرْبَى سَهْمِ صَفِيَّةَ أُمِّهِ، وَقَدْ شَكَّ سُفْيَانُ أَحَفِظَهُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ يَحْيَى سَمَاعًا، وَلَمْ يَشُكَّ سُفْيَانُ أَنَّهُ مِنْ حَدِيثِ هِشَامٍ عَنْ يَحْيَى هُوَ، وَلاَ غَيْرُهُ مِمَّنْ حَفِظَهُ عَنْ هِشَامٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَحَدِيثُ مَكْحُولٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلٌ «أَنَّ الزُّبَيْرَ حَضَرَ خَيْبَرَ بِفَرَسَيْنِ فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ سَهْمًا لَهُ وَأَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ لِفَرَسِهِ»، وَلَوْ كَانَ كَمَا حَدَّثَ مَكْحُولٍ أَنَّ الزُّبَيْرَ حَضَرَ خَيْبَرَ بِفَرَسَيْنِ فَأَخَذَ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ كَانَ وَلَدُهُ أَعْرَفَ بِحَدِيثِهِ وَأَحْرَصَ عَلَى مَا فِيهِ زِيَادَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يُسْهَمُ لِرَاكِبِ دَابَّةٍ غَيْرِ الْفَرَسِ لاَ بَغْلٍ، وَلاَ حِمَارٍ، وَلاَ بَعِيرٍ، وَلاَ فِيلٍ، وَلاَ غَيْرِهِ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَعَاهَدَ الْخَيْلَ فَلاَ يُدْخِلَ إلَّا شَدِيدًا، وَلاَ يُدْخِلَ حَطِمًا، وَلاَ قَحْمًا ضَعِيفًا، وَلاَ ضَرْعًا، وَلاَ أَعْجَفَ رَازِحًا فَإِنْ غَفَلَ فَشُهِدَ رَجُلٌ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ، فَقَدْ قِيلَ: لاَ يُسْهَمُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهَا غَنَاءُ الْخَيْلِ الَّتِي أَسْهَمَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ نَعْلَمْهُ أَسْهَمَ لِأَحَدٍ فِيمَا مَضَى عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الدَّوَابِّ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ قَالَ: رَجُلٌ أُسْهِمُ لِلْفَرَسِ كَمَا أُسْهِمُ لِلرَّجُلِ، وَلَمْ يُقَاتِلْ كَانَتْ شُبْهَةً وَلَكِنْ فِي الْحَاضِرِ غَيْرُ الْمُقَاتِلِ الْعَوْنُ بِالرَّأْيِ وَالدُّعَاءِ وَإِنَّ الْجَيْشَ قَدْ يُنْصَرُونَ بِأَضْعَفِهِمْ وَأَنَّهُ قَدْ لاَ يُقَاتِلُ، ثُمَّ يُقَاتِلُ، وَفِيهِمْ مَرْضَى فَأُعْطِي سَهْمَهُ سُنَّةً وَلَيْسَتْ فِي فَرَسِ ضَرْعٍ، وَلاَ قَحْمٍ، وَلاَ وَاحِدٍ مِمَّا وَصَفْنَا مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنَّمَا أُسْهِمَ لِلْفَارِسِ بِسَهْمِ فَارِسٍ إذَا حَضَرَ شَيْئًا مِنْ الْحَرْبِ فَارِسًا قَبْل أَنْ تَنْقَطِعَ الْحَرْبُ فَأَمَّا إنْ كَانَ فَارِسًا إذَا دَخَلَ بِلاَدَ الْعَدُوِّ وَكَانَ فَارِسًا بَعْدَ انْقِطَاعِ الْحَرْبِ وَقَبْلَ جَمْعِ الْغَنِيمَةِ فَلاَ يُسْهَمُ لَهُ بِسَهْمِ فَارِسٍ قَالَ: وَقَالَ: بَعْضُ النَّاسِ إذَا دَخَلَ بِلاَدَ الْعَدُوِّ فَارِسًا، ثُمَّ مَاتَ فَرَسُهُ أُسْهِمَ لَهُ سَهْمُ فَارِسٍ، وَإِنْ أَفَادَ فَرَسًا بِبِلاَدِ الْعَدُوِّ قَبْلَ الْقِتَالِ فَحَضَرَ عَلَيْهِ لَمْ يُسْهَمْ لَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقِيلَ لَهُ: وَلِمَ أَسْهَمْت لَهُ إذَا دَخَلَ أَدْنَى بِلاَدِ الْعَدُوِّ فَارِسًا، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ الْقِتَالَ فَارِسًا؟ قَالَ: لِأَنَّهُ قَدْ يَثْبُتُ فِي الدِّيوَانِ فَارِسًا قِيلَ: فَقَدْ يَثْبُتُ هُوَ فِي الدِّيوَانِ فَإِنْ مَاتَ فَلاَ يُسْهَمُ لَهُ إلَّا أَنْ يَمُوتَ بَعْدَمَا تُحْرَزُ الْغَنِيمَةُ قِيلَ: فَقَدْ أُثْبِتَ هُوَ وَفَرَسُهُ فِي الدِّيوَانِ فَزَعَمْت أَنَّ الْمَوْتَ قَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ، وَإِنْ حَضَرَ الْقِتَالَ يُقْطَعُ حَظُّهُ فِي الْغَنِيمَةِ، وَإِنَّ مَوْتَ فَرَسِهِ قَبْلَ حُضُورِ الْقِتَالِ لاَ يَقْطَعُ حَظَّهُ قَبْلَ فِعْلِهِ، وَقَدْ أَوْفَى أَدْنَى بِلاَدِ الْعَدُوِّ قِيلَ: فَذَلِكَ كُلُّهُ يَلْزَمُك فِي نَفْسِهِ وَيَلْزَمُك فِي الْفَرَسِ أَرَأَيْت الْخُرَاسَانِيَّ، أَوْ الْيَمَانِيَّ يَقُودُ الْفَرَسَ لِلرُّومِ حَتَّى إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَدْنَى بِلاَد الْعَدُوِّ إلَّا مِيلٌ فَمَاتَ فَرَسُهُ أَيُسْهَمُ لِفَرَسِهِ؟ قَالَ: لاَ قِيلَ فَهَذَا قَدْ تَكَلَّفَ مِنْ الْمُؤْنَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَكَلَّفُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الثُّغُورِ ابْتَاعَ فَرَسًا، ثُمَّ غَزَا عَلَيْهِ فَأَمْسَى بِأَدْنَى بِلاَدِ الْعَدُوِّ، ثُمَّ مَاتَ فَرَسُهُ فَزَعَمْت أَنَّك تُسْهِمُ لَهُ، وَلَوْ كُنْت بِالْمُؤْنَةِ الَّتِي لَزِمَتْهُ فِي الْفَرَسِ تُسْهِمُ لَهُ كَانَ هَذَا أَوْلَى أَنْ تَحْرِمَهُ مِنْ الَّذِي تَكَلَّفَ أَكْثَرَ مِمَّا تَكَلَّفَ فَحَرَمْته.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ حَاصَرَ قَوْمٌ مَدِينَةً فَكَانُوا لاَ يُقَاتِلُونَ إلَّا رَجَّالَةً، أَوْ غَزَا قَوْمٌ فِي الْبَحْرِ فَكَانُوا لاَ يُقَاتِلُونَ إلَّا رَجَّالَةً لاَ يَنْتَفِعُونَ بِالْخَيْلِ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ أُعْطِي الْفَارِسُ سَهْمَ الْفَارِسِ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ دَخَلَ رَجُلٌ يُرِيدُ الْجِهَادَ فَلَمْ يُجَاهِدْ أُسْهِمَ لَهُ، وَلَوْ دَخَلَ أَجِيرٌ يُرِيدُ الْجِهَادَ، فَقَدْ قِيلَ: يُسْهَمُ لَهُ وَقِيلَ يُخَيِّرُ بَيْنَ أَنْ يُسْهَمَ لَهُ وَيَطْرَحَ الْإِجَارَةَ، أَوْ الْإِجَارَةِ، وَلاَ يُسْهَمُ لَهُ، وَقَدْ قِيلَ: يُرْضَخُ لَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ انْفَلَتَ أَسِيرٌ فِي أَيْدِي الْعَدُوِّ قَبْلَ أَنْ تُحْرَزَ الْغَنِيمَةُ، فَقَدْ قِيلَ: لاَ يُسْهَمُ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قِتَالٌ فَيُقَاتِلُ فَأَرَى أَنْ يُسْهَمَ لَهُ، وَقَدْ قِيلَ: يُسْهَمُ لَهُ مَا لَمْ تُحْرَزْ الْغَنِيمَةُ، وَلَوْ دَخَلَ قَوْمٌ تُجَّارٌ فَقَاتَلُوا لَمْ أَرَ بَأْسًا أَنْ يُسْهَمَ لَهُمْ، وَقَدْ قِيلَ: لاَ يُسْهَمُ لَهُمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَمَّا الذِّمِّيُّ غَيْرُ الْبَالِغِ وَالْمَرْأَةُ يُقَاتِلُونَ فَلاَ يُسْهَمُ لَهُمْ وَيَرْضَخُ لَهُمْ وَكَانَ أَحَبَّ إلَيَّ فِي الذِّمِّيِّ لَوْ اُسْتُؤْجِرَ بِشَيْءٍ مِنْ غَيْرِ الْغَنِيمَةِ، أَوْ الْمَوْلُودُ فِي بِلاَدِ الْحَرْبِ يُرْضَخُ لَهُ وَيُرْضَخُ لِمَنْ قَاتَلَ أَكْثَرَ مِمَّا يُرْضَخُ لِمَنْ لَمْ يُقَاتِلْ وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدِي حَدٌّ مَعْرُوفٌ يُعْطَوْنَ مِنْ الْخُرْثِيِّ وَالشَّيْءِ الْمُتَفَرِّقِ مِمَّا يُغْنَمُ، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ يُرْضَخُ لَهُمْ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ كَانَ مَذْهَبًا وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُرْضَخَ لَهُمْ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَسْهُمِ؛ لِأَنَّهُمْ حَضَرُوا الْقِتَالَ وَالسُّنَّة بِالرَّضْخِ لَهُمْ بِحُضُورِهِمْ كَمَا كَانَتْ بِالْإِسْهَامِ لِغَيْرِهِمْ بِحُضُورِهِمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ جَاءَ مَدَدٌ لِلْمُسْلِمِينَ بِلاَدَ الْحَرْبِ قَبْلَ أَنْ تَنْقَطِعَ الْحَرْبُ فَحَضَرُوا مِنْ الْحَرْبِ شَيْئًا قَلَّ، أَوْ كَثُرَ شُرِكُوا فِي الْغَنِيمَةِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتُوا حَتَّى تَنْقَطِعَ الْحَرْبُ، وَلاَ يَكُونُ عِنْدَ الْغَنِيمَةِ مَانِعٌ لَهَا لَمْ يُشْرِكُوهُمْ، وَلَوْ جَاءُوا بَعْدَمَا أُحْرِزَتْ الْغَنِيمَةُ، ثُمَّ كَانَ قِتَالٌ بَعْدَهَا فَإِنْ غَنِمُوا شَيْئًا حَضَرُوهُ شُرِكُوا فِيهِ، وَلاَ يُشْرِكُونَ فِيمَا أُحْرِزَ قَبْلَ حُضُورِهِمْ، وَلَوْ أَنَّ قَائِدًا فَرَّقَ جُنْدَهُ فِي وَجْهَيْنِ فَغَنِمَتْ إحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ، وَلَمْ تَغْنَمْ الْأُخْرَى، أَوْ بَعَثَ سَرِيَّةً مِنْ عَسْكَرٍ، أَوْ خَرَجَتْ هِيَ فَغَنِمَتْ فِي بِلاَدِ الْعَدُوِّ، وَلَمْ يَغْنَمْ الْعَسْكَرُ، أَوْ غَنِمَ الْعَسْكَرُ، وَلَمْ تَغْنَمْ السَّرِيَّةُ شَرَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ صَاحِبَهُ؛ لِأَنَّهُ جَيْشٌ وَاحِدٌ كُلُّهُمْ رَدٌّ، لِصَاحِبِهِ قَدْ مَضَتْ خَيْلُ الْمُسْلِمِينَ فَغَنِمَتْ بِأَوْطَاسٍ غَنَائِمَ كَثِيرَةً وَأَكْثَرَ الْعَسْكَرُ: حُنَيْنٍ فَشَرِكُوهُمْ وَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ قَوْمٌ مُقِيمِينَ بِبِلاَدِهِمْ فَخَرَجَتْ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ فَغَنِمُوا لَمْ يُشْرِكْهُمْ الْمُقِيمُونَ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ قَرِيبًا؛ لِأَنَّ السَّرَايَا كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ الْمَدِينَةِ فَتَغْنَمُ، وَلاَ يُشْرِكُهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَلَوْ أَنَّ إمَامًا بَعَثَ جَيْشَيْنِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَائِدٌ وَأَمَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَوَجَّهَ نَاحِيَةً غَيْرِ نَاحِيَةِ صَاحِبِهِ مِنْ بِلاَدِ عَدُوٍّ غَنِمَ أَحَدُ الْجَيْشَيْنِ لَمْ يُشْرِكْهُمْ الْآخَرُونَ فَإِنْ اجْتَمَعُوا فَغَنِمُوا مُجْتَمِعِينَ فَهُمْ كَجَيْشٍ وَاحِدٍ وَيَرْفَعُونَ الْخُمُسَ إلَى الْإِمَامِ وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْ الْقَائِدَيْنِ بِأَحَقَّ بِوِلاَيَةِ الْخُمُسِ إلَى أَنْ يُوصِلَهُ إلَى الْإِمَامِ مِنْ الْآخَرِ وَهُمَا فِيهِ شَرِيكَانِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ غَزَتْ جَمَاعَةٌ بَاغِيَةٌ مَعَ جَمَاعَةٍ أَهْلِ عَدْلٍ شَرِكُوهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَلِأَهْلِ الْعَدْلِ بِطَاعَةِ الْإِمَامِ أَنْ يَلُوا الْخُمُسَ دُونَهُمْ حَتَّى يُوصِلُوهُ إلَى الْإِمَامِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الآيَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مُطَرِّفٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «لَمَّا قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ أَتَيْته أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلاَءِ إخْوَانُنَا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ لاَ يُنْكَرُ فَضْلُهُمْ لِمَكَانِك الَّذِي وَضَعَك اللَّهُ بِهِ مِنْهُمْ. أَرَأَيْت إخْوَانَنَا مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ أَعْطَيْتهمْ وَتَرَكْتنَا، أَوْ مَنَعْتنَا، وَإِنَّمَا قَرَابَتُنَا وَقَرَابَتُهُمْ وَاحِدَةٌ. فَقَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْسَبُهُ دَاوُد الْعَطَّارَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ مَعْنَاهُ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ مَعْنَاهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَذَكَرْت لِمُطَرِّفِ بْنِ مَازِنٍ أَنَّ يُونُسَ وَابْنَ إِسْحَاقَ رَوَيَا حَدِيثَ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ مُطَرِّفٌ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ كَمَا وَصَفْت وَلَعَلَّ ابْنَ شِهَابٍ رَوَاهُ عَنْهُمَا مَعًا أَخْبَرَنَا عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ، وَزَادَ «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَخْبَرَنَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: «قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، وَلَمْ يُعْطِ مِنْهُ أَحَدًا مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَلاَ بَنِي نَوْفَلٍ شَيْئًا».
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَيُعْطَى جَمِيعُ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى حَيْثُ كَانُوا لاَ يَفْضُلُ مِنْهُمْ أَحَدٌ حَضَرَ الْقِتَالَ عَلَى أَحَدٍ لَمْ يَحْضُرْهُ إلَّا بِسَهْمِهِ فِي الْغَنِيمَةِ كَسَهْمِ الْعَامَّةِ، وَلاَ فَقِيرٌ عَلَى غَنِيٍّ وَيُعْطَى الرَّجُلُ سَهْمَيْنِ وَالْمَرْأَةُ سَهْمًا وَيُعْطَى الصَّغِيرُ مِنْهُمْ وَالْكَبِيرُ سَوَاءً، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إنَّمَا أُعْطُوا بِاسْمِ الْقَرَابَةِ وَكُلُّهُمْ يَلْزَمُهُ اسْمُ الْقَرَابَةِ فَإِنْ قَالَ: قَائِلٌ قَدْ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَهُمْ مِائَةَ وَسْقٍ وَبَعْضَهُمْ أَقَلَّ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَكُلُّ مَنْ لَقِيت مِنْ عُلَمَاءِ أَصْحَابِنَا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيمَا وَصَفْت مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ وَبِأَنَّهُ إنَّمَا قِيلَ: أَعْطَى فُلاَنًا كَذَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ ذَا وَلَدٍ فَقِيلَ: أَعْطَاهُ كَذَا. وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ حَظَّهُ وَحَظَّ عِيَالِهِ وَالدَّلاَلَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا حَكَيْت مِمَّا قَالُوا عَنْهُمْ مَا وَصَفْت مِنْ اسْمِ الْقَرَابَةِ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ مَنْ حَضَرَ خَيْبَرَ وَمَنْ لَمْ يَحْضُرْهَا وَأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ أَحَدًا مِنْ عِيَالِ مَنْ سَمَّى أَنَّهُ أَعْطَى بِعَيْنِهِ وَأَنَّ حَدِيثَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ فِيهِ إنَّهُ قَسَمَ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَالْقَسْمُ إذَا لَمْ يَكُنْ تَفْضِيلٌ يُشْبِهُ قَسْمَ الْمَوَارِيثِ، وَفِي حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ الدَّلاَلَةُ عَلَى أَنَّهُ لَهُمْ خَاصَّةً. وَقَدْ أَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَهْمِهِ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ لاَ مِنْ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَتُفَرَّقُ ثَلاَثَةُ أَخْمَاسِ الْخُمُسِ عَلَى مَنْ سَمَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ فِي بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ كُلِّهَا يُحْصَوْنَ، ثُمَّ تُوَزَّعُ بَيْنَهُمْ لِكُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ سَهْمُهُ كَامِلاً لاَ يُعْطَى وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَان سَهْمً صَاحِبِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ مَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي هُوَ وَأُمِّيِّ مَاضِيًا وَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَمَلاَئِكَتُهُ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ عِنْدَنَا فِي سَهْمِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُرَدُّ عَلَى السُّهْمَانِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَعَهُ؛ لِأَنِّي رَأَيْت الْمُسْلِمِينَ قَالُوا فِيمَنْ سُمِّيَ لَهُ سَهْمٌ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ فَلَمْ يُوجَدْ يُرَدُّ عَلَى مَنْ سُمِّيَ مَعَهُ. وَهَذَا مَذْهَبٌ يَحْسُنُ، وَإِنْ كَانَ قَسْمُ الصَّدَقَاتِ مُخَالِفًا قَسْمَ الْفَيْءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَضَعُهُ الْإِمَامُ حَيْثُ رَأَى عَلَى الِاجْتِهَادِ لِلْإِسْلاَمِ وَأَهْلِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَضَعُهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلاَحِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَاَلَّذِي أَخْتَارُ أَنْ يَضَعَهُ الْإِمَامُ فِي كُلِّ أَمْرٍ حَصَّنَ بِهِ الْإِسْلاَمَ وَأَهْلَهُ مِنْ سَدِّ ثَغْرٍ وَإِعْدَادِ كَرَاعٍ، أَوْ سِلاَحٍ، أَوْ إعْطَاءِ أَهْلِ الْبَلاَءِ فِي الْإِسْلاَمِ نَفْلاً عِنْدَ الْحَرْبِ وَغَيْرِ الْحَرْبِ إعْدَادًا لِلزِّيَادَةِ فِي تَعْزِيرِ الْإِسْلاَمِ وَأَهْلِهِ عَلَى مَا صَنَعَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ وَنَفَلَ فِي الْحَرْبِ وَأَعْطَى عَامَ خَيْبَرَ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَفَضَّلَ وَأَكْثَرُهُمْ أَهْلُ فَاقَةٍ نَرَى ذَلِكَ كُلَّهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مِنْ سَهْمِهِ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ بِقَوْلِنَا فِي سَهْمِ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَزَادَ سَهْمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَهْمَ ذِي الْقُرْبَى: فَقُلْت لَهُ أَعْطَيْت بَعْضَ مَنْ قَسَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ مَالَهُ وَزِدْته وَمَنَعْت بَعْضَ مَنْ قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مَاله فَخَالَفْت الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فِيمَا أَعْطَيْت وَمَنَعْت. فَقَالَ: لَيْسَ لِذِي الْقُرْبَى مِنْهُ شَيْءٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَلَّمُونَا فِيهِ بِضُرُوبٍ مِنْ الْكَلاَمِ قَدْ حَكَيْت مَا حَضَرَنِي مِنْهَا وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ فَقَالَ: بَعْضُهُمْ مَا حُجَّتُكُمْ فِيهِ؟ قُلْت الْحُجَّةُ الثَّابِتَةُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ. وَذَكَرْت لَهُ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ فِيهِ قَالَ فَإِنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ رَوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: سَأَلْت أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ مَا صَنَعَ عَلِيٌّ رحمه الله فِي الْخُمُسِ؟ فَقَالَ سَلَكَ بِهِ طَرِيقَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُؤْخَذَ عَلَيْهِ خِلاَفُهُمَا، وَكَانَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَرَى فِيهِ رَأَيَا خِلاَفَ رَأْيِهِمَا فَاتَّبَعَهُمَا. فَقُلْت لَهُ هَلْ عَلِمْت أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَسَمَ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَسَوَّى بَيْنَ النَّاسِ وَقَسَمَ عُمَرُ فَلَمْ يَجْعَلْ لِلْعَبِيدِ شَيْئًا وَفَضَّلَ بَعْضَ النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ وَقَسَمَ عَلِيٌّ فَلَمْ يَجْعَلْ لِلْعَبِيدِ شَيْئًا وَسَوَّى بَيْنَ النَّاسِ؟ قَالَ: نَعَمْ: قُلْت أَفَتَعْلَمُهُ خَالَفَهُمَا مَعًا؟ قَالَ: نَعَمْ: قُلْت أَوْ تَعْلَمُ عُمَرُ قَالَ: لاَ تُبَاعُ أُمَّهَاتُ الْأَوْلاَدِ وَخَالَفَهُ عَلِيٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ: قُلْت وَتَعْلَمُ أَنَّ عَلِيًّا خَالَفَ أَبَا بَكْرٍ فِي الْجَدِّ؟ قَالَ: نَعَمْ: قُلْت فَكَيْفَ جَازَ لَك أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَك عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ عَلِيًّا رَأَى غَيْرَ رَأْيِهِمَا فَاتَّبَعَهُمَا وَبَيِّنٌ عِنْدَك أَنَّهُ قَدْ يُخَالِفُهُمَا فِيمَا وَصَفْنَا، وَفِي غَيْرِهِ؟ قَالَ: فَمَا قَوْلُهُ سَلَكَ بِهِ طَرِيقَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، قُلْت هَذَا كَلاَمٌ جُمْلَةٌ يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ صَنَعَ فِيهِ عَلِيٌّ؟ فَذَلِكَ يَدُلُّنِي عَلَى مَا صَنَعَ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأُخْبِرْنَا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ حَسَنًا وَحُسَيْنًا وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ سَأَلُوا عَلِيًّا رضي الله عنه وعنهم نَصِيبَهُمْ مِنْ الْخُمُسِ فَقَالَ: هُوَ لَكُمْ حَقٌّ وَلَكِنِّي مُحَارَبٌ مُعَاوِيَةَ فَإِنْ شِئْتُمْ تَرَكْتُمْ حَقَّكُمْ مِنْهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَخْبَرْت بِهَذَا الْحَدِيثِ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ مُحَمَّدٍ فَقَالَ: صَدَقَ: هَكَذَا كَانَ جَعْفَرٌ يُحَدِّثُهُ أَفَمَا حَدَّثَكَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ؟ قُلْت: لاَ قَالَ مَا أَحْسَبُهُ إلَّا عَنْ جَدِّهِ: قَالَ: فَقُلْت لَهُ أَجَعْفَرٌ أَوْثَقُ وَأَعْرَفُ بِحَدِيثِ أَبِيهِ أَمْ ابْنُ إِسْحَاقَ؟ قَالَ: بَلْ جَعْفَرٌ، فَقُلْت لَهُ هَذَا بَيِّنٌ لَك إنْ كَانَ ثَابِتًا أَنَّ مَا ذَهَبْت إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ مَا ذَهَبْت إلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَدَلَّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَعْطَيَاهُ أَهْلَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ مُرْسَلٌ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ لاَ أَدْرِي كَيْفَ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ، قُلْت: وَكَيْفَ احْتَجَجْت بِهِ إنْ كَانَ حُجَّةً فَهُوَ عَلَيْك، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً فَلاَ تَحْتَجَّ بِمَا لَيْسَ بِحَجَّةٍ وَاجْعَلْهُ كَمَا لَمْ يَكُنْ: قَالَ: فَهَلْ فِي حَدِيثِ جَعْفَرٍ أَعْطَاهُمُوهُ؟ قُلْت أَيَجُوزُ عَلَى عَلِيٍّ، أَوْ عَلَى رَجُلٍ دُونَهُ أَنْ يَقُولَ هُوَ لَكُمْ حَقٌّ ثُمَّ يَمْنَعَهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ إنْ طَابَتْ أَنْفُسُهُمْ قُلْنَا: وَهُمْ إنْ طَابَتْ أَنْفُسُهُمْ عَمَّا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ مَوَارِيثِ آبَائِهِمْ وَأَكْسَابِهِمْ حَلَّ لَهُ أَخْذُهُ. قَالَ: فَإِنَّ الْكُوفِيِّينَ قَدْ رَوَوْا فِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ شَيْئًا أَفَعَلِمْته؟ قُلْت: نَعَمْ وَرَوَوْا ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مِثْلَ قَوْلِنَا، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْت أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ وَرَجُلٌ لَمْ يُسَمِّهِ كِلاَهُمَا عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: لَقِيت عَلِيًّا عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ، فَقُلْت لَهُ بِأَبِي وَأُمِّي مَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي حَقِّكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْ الْخُمُسِ؟ فَقَالَ: عَلِيٌّ أَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ أَخْمَاسٌ وَمَا كَانَ، فَقَدْ أَوْفَانَاهُ وَأَمَّا عُمَرُ فَلَمْ يَزَلْ يُعْطِينَاهُ حَتَّى جَاءَ مَالُ السُّوسِ وَالْأَهْوَازِ، أَوْ قَالَ: فَارِسٌ قَالَ الرَّبِيعُ أَنَا أَشُكُّ فَقَالَ: فِي حَدِيثِ مَطَرٍ، أَوْ حَدِيثِ الْآخَرِ، فَقَالَ: فِي الْمُسْلِمِينَ خَلَّةٌ فَإِنْ أَحْبَبْتُمْ تَرَكْتُمْ حَقَّكُمْ فَجَعَلْنَاهُ فِي خَلَّةِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَأْتِيَنَا مَالٌ فَأُوَفِّيكُمْ حَقَّكُمْ مِنْهُ: فَقَالَ الْعَبَّاسُ لِعَلِيٍّ لاَ نُطْمِعُهُ فِي حَقِّنَا: فَقُلْت يَا أَبَا الْفَضْلِ أَلَسْنَا أَحَقَّ مَنْ أَجَابَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَفَعَ خَلَّةَ الْمُسْلِمِينَ فَتُوُفِّيَ عُمَرُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ مَالٌ فيقضيناه. وَقَالَ الْحُكْمُ فِي حَدِيثِ مَطَرٍ أَوْ الْآخَرِ إنَّ عُمَرَ قَالَ: لَكُمْ حَقٌّ، وَلاَ يَبْلُغُ عِلْمِي إذْ كَثُرَ أَنْ يَكُونَ لَكُمْ كُلُّهُ فَإِنْ شِئْتُمْ أَعْطَيْتُكُمْ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَرَى لَكُمْ فَأَبَيْنَا عَلَيْهِ إلَّا كُلَّهُ فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَنَا كُلَّهُ، فَقَالَ: فَإِنَّ الْحُكْمَ يُحْكَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَنَّهُمَا أَعْطَيَا ذَوِي الْقُرْبَى حَقَّهُمْ، ثُمَّ تَخْتَلِفُ الرُّوَاةُ عَنْهُ فِي عُمَرَ فَتَقُولُ مَرَّةً أَعْطَاهُمْ حَتَّى جَاءَهُمْ مَالٌ السُّوسِ ثُمَّ اسْتَسْلَفَهُ مِنْهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا تَمَامٌ عَلَى إعْطَائِهِمْ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ مِنْهُ وَتَقُولُ مَرَّةً أَعْطَاهُمُوهُ حَتَّى كَثُرَ، ثُمَّ عَرَضَ عَلَيْهِمْ حِينَ كَثُرَ أَنْ يُعْطِيهِمْ بَعْضَ مَا يَرَاهُ لَهُمْ حَقًّا لاَ كُلَّهُ، وَهَذَا أَعْطَاهُمْ بَعْضَهُ دُونَ بَعْضٍ، وَقَدْ رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ ابْنِ هُرْمُزَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ قَرِيبًا مِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَالَ: فَكَيْفَ يُقْسَمُ سَهْمُ ذِي الْقُرْبَى وَلَيْسَتْ الرِّوَايَةُ فِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مُتَوَاطِئَةً؟ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَقًّا لِقَوْمٍ، وَلاَ يَثْبُتُ عَنْهُمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَنَّهُمَا أَعْطَيَاهُ عَطَاءً بَيِّنًا مَشْهُورًا؟ فَقُلْت لَهُ قَوْلُك هَذَا قَوْلُ مَنْ لاَ عِلْمَ لَهُ، قَالَ: وَكَيْفَ؟ قُلْت هَذَا الْحَدِيثُ يُثْبِتُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ أَعْطَاهُمُوهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَعُمَرُ حَتَّى كَثُرَ الْمَالُ، ثُمَّ اُخْتُلِفَ عَنْهُ فِي الْكَثْرَةِ وَقُلْت أَرَأَيْت مَذْهَبَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ إذَا كَانَ الشَّيْءُ مَنْصُوصًا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُبَيَّنًا عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ فَعَلَهُ أَلَيْسَ يُسْتَغْنَى بِهِ عَنْ أَنْ يُسْأَلَ عَمَّا بَعْدَهُ وَيُعْلَمُ أَنَّ فَرْضَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ اتِّبَاعُهُ؟ قَالَ: بَلَى: قُلْت: قُلْت أَفَتَجِدُ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى مَفْرُوضًا فِي آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُبَيَّنًا عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِعْلُهُ ثَابِت بِمَا يَكُونُ مِنْ أَخْبَارِ النَّاسِ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا ثِقَةُ الْمُخْبِرِينَ بِهِ وَاتِّصَالُهُ وَأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ أَهْلُ قَرَابَةٍ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّهْرِيُّ مِنْ أَخْوَالِهِ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ مِنْ أَخْوَالِ أَبِيهِ وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ ابْنُ عَمِّهِ وَكُلُّهُمْ قَرِيبٌ مِنْهُ فِي جَذْمِ النَّسَبِ وَهُمْ يُخْبِرُونَك مَعَ قَرَابَتِهِمْ وَشَرَفِهِمْ أَنَّهُمْ مُخْرِجُونَ مِنْهُ وَأَنَّ غَيْرَهُمْ مَخْصُوصٌ بِهِ دُونَهُ وَيُخْبِرُك أَنَّهُ طَلَبَهُ هُوَ وَعُثْمَانُ فَمُنِعَاهُ وَقَرَابَتُهُمَا فِي حَدْمِ النَّسَبِ قَرَابَةُ بَنِي الْمُطَّلِبِ الَّذِينَ أُعْطُوهُ. قَالَ نَعَمْ: قُلْت فَمَتَى تَجِدُ سُنَّةً أَبَدًا أُثْبِتَتْ بِفَرْضِ الْكِتَابِ وَصِحَّةِ الْخَبَرِ وَهَذِهِ الدَّلاَلاَتُ مِنْ هَذِهِ السُّنَّةِ لَمْ يُعَارِضْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَارِضٌ بِخِلاَفِهَا وَكَيْفَ تُرِيدُ إبْطَالَ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ بِأَنْ تَقُولَ: ظَاهِرُ الْكِتَابِ يُخَالِفُهُمَا، وَهُوَ لاَ يُخَالِفُهُمَا، ثُمَّ نَجِدُ الْكِتَابَ بَيِّنًا فِي حُكْمَيْنِ مِنْهُ بِسَهْمِ ذِي الْقُرْبَى مِنْ الْخُمُسِ مَعَهُ السُّنَّةُ فَتُرِيدُ إبْطَالَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ هَلْ تَعْلَمُ قَوْلاً أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ مَرْدُودًا مِنْ قَوْلِك هَذَا وَقَوْلِ مَنْ قَالَ قَوْلَك؟
قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ أَرَأَيْت لَوْ عَارَضَك مُعَارِضٌ بِمِثْلِ حُجَّتِك فَقَالَ أَرَاك قَدْ أَبْطَلْت سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى مِنْ الْخُمُسِ، فَأَنَا أُبْطِلُ سَهْمَ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ قُلْنَا فَإِنْ قَالَ فَأَثْبِتْ لِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُمُوهُ، أَوْ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَعْطَاهُمُوهُ، أَوْ أَحَدُهُمَا. قَالَ: مَا فِيهِ خَبَرٌ ثَابِتٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ عَمَّنْ بَعْدَهُ غَيْرَ أَنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ مَنْ أَعْطَى اللَّهُ إيَّاهُ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ عَمِلاَ بِذَلِكَ بَعْدَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْنَا أَفَرَأَيْت لَوْ قَالَ: فَأَرَاك تَقُولُ نُعْطِي الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ سَهْمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَهْمَ ذِي الْقُرْبَى فَإِنْ جَازَ لَك أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَسَمَهُ عَلَى خَمْسَةٍ فَجَعَلْته لِثَلاَثَةٍ فَأَنَا أَجْعَلُهُ كُلَّهُ لِذَوِي الْقُرْبَى؛ لِأَنَّهُمْ مُبْدَءُونَ فِي الآيَةِ عَلَى الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ لاَ يُعْرَفُونَ مَعْرِفَتَهُمْ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ ذَوِي الْقُرْبَى، وَلاَ أَجِدُ خَبَرًا مِثْلَ الْخَبَرِ الَّذِي يَحْكِي أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَعْطَى ذَوِي الْقُرْبَى سَهْمَهُمْ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ، وَلاَ أَجِدُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَلاَ عُمَرَ فَقَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ: قُلْنَا وَلِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذْ قَسَمَ لِخَمْسَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْطَاهَا وَاحِدٌ. قُلْت فَكَيْفَ جَازَ لَك. وَقَدْ قَسَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِخَمْسَةٍ أَنْ أَعْطَيْته ثَلاَثَةً وَذَوُو الْقُرْبَى مَوْجُودُونَ؟
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: فَقَالَ لَعَلَّ هَذَا إنَّمَا كَانَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَكَانِهِمْ مِنْهُ فَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قُلْت لَهُ أَيَجُوزُ لِأَحَدٍ نَظَرَ فِي الْعِلْمِ أَنْ يَحْتَجَّ بِمِثْلِ هَذَا؟ قَالَ وَلِمَ لاَ يَجُوزُ إذَا كَانَ يَحْتَمِلُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي الْخَبَرِ، وَلاَ شَيْءَ يَدُلُّ عَلَيْهِ؟ قُلْت: فَإِنْ عَارَضَك جَاهِلٌ بِمِثْلِ حُجَّتِك فَقَالَ: لَيْسَ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَقًّا لِيَتَامَى الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ جَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَعَ رَسُولِهِ وَكَانُوا قَلِيلاً فِي مُشْرِكِينَ كَثِيرٍ وَنَابَذُوا الْأَبْنَاءَ وَالْعَشَائِرَ وَقَطَعُوا الذِّمَمَ وَصَارُوا حِزْبَ اللَّهِ فَهَذَا لِأَيْتَامِهِمْ وَمَسَاكِينِهِمْ وَأَبْنَاءِ سَبِيلِهِمْ، فَإِذَا مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَارَ النَّاسُ مُسْلِمِينَ وَرَأَيْنَا مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُنْ لِآبَائِهِ سَابِقَةٌ مَعَهُ مِنْ حُسْنِ الْيَقِينِ وَالْفَضْلِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُرَى أَخَذُوا وَصَارَ الْأَمْرُ وَاحِدٌ فَلاَ يَكُونُ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ شَيْءٌ إذَا اسْتَوَى فِي الْإِسْلاَمِ، قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ قُلْت وَلِمَ؟ قَالَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إذَا قَسَمَ شَيْئًا فَهُوَ نَافِذٌ لِمَنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قُلْت لَهُ، فَقَدْ قَسَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَوِي الْقُرْبَى فَلِمَ لَمْ تَرَهُ نَافِذًا لَهُمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: فَمَا مَنَعَك أَنْ أَعْطَيْت ذَوِي الْقُرْبَى أَنْ تُعْطِيَهُمْ عَلَى مَعْنَى الْحَاجَةِ فَيُقْضَى دَيْنُ ذِي الدَّيْنِ وَيُزَوَّجُ الْعَزَبُ وَيُخْدَمُ مَنْ لاَ خَادِمَ لَهُ، وَلاَ يُعْطَى الْغَنِيُّ شَيْئًا: قُلْت لَهُ مَنَعَنِي أَنِّي وَجَدَتْ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَهُ فِي قَسْمِ الْفَيْءِ وَسُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُبَيِّنَةُ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي دَعَوْت إلَيْهِ، وَأَنْتَ أَيْضًا تُخَالِفُ مَا دَعَوْت إلَيْهِ. فَتَقُولُ لاَ شَيْءَ لِذَوِي الْقُرْبَى، قَالَ: إنِّي أَفْعَلُ فَهَلُمَّ الدَّلاَلَةَ عَلَى مَا قُلْت قُلْت قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} فَهَلْ تَرَاهُ أَعْطَاهُمْ بِغَيْرِ اسْمِ الْقَرَابَةِ؟ قَالَ: لاَ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَعْطَاهُمْ بِاسْمِ الْقَرَابَةِ وَمَعْنَى الْحَاجَةِ: قُلْت فَإِنْ وَجَدْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى غَنِيًّا لاَ دَيْنَ عَلَيْهِ، وَلاَ حَاجَةَ بِهِ بَلْ يَعُولُ عَامَّةَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَيَتَفَضَّلُ عَلَى غَيْرِهِ لِكَثْرَةِ مَالِهِ، وَمَا مَنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ سَعَةِ خَلْقِهِ، قَالَ: إذًا يُبْطِلُ الْمَعْنَى الَّذِي ذَهَبْت إلَيْهِ، قُلْت، فَقَدْ أَعْطَى أَبَا الْفَضْلِ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهُوَ كَمَا وَصَفْت فِي كَثْرَةِ الْمَالِ يَعُولُ عَامَّةَ بَنِي الْمُطَّلِبِ وَيَتَفَضَّلُ عَلَى غَيْرِهِمْ، قَالَ: فَلَيْسَ لِمَا قُلْت مِنْ أَنْ يُعْطَوْا عَلَى الْحَاجَةِ مَعْنًى إذَا أُعْطِيَهُ الْغَنِيُّ، وَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت لَوْ عَارَضَك مُعَارِضٌ أَيْضًا فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْغَنِيمَةِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآيَةَ، فَاسْتَدْلَلْنَا أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ لِغَيْرِ أَهْلِ الْخُمُسِ فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهَا مَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَعْطَاهُمُوهَا عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ، أَوْ عَلَيْهِمَا، فَيَكُونَ أَعْطَاهَا أَهْلَ الْحَاجَةِ مِمَّنْ حَضَرَ دُونَ أَهْلِ الْغِنَى عَنْهُ، أَوْ قَالَ: قَدْ يَجُوزُ إذَا كَانَ بِالْغَلَبَةِ أَعْطَاهُمُوهُ أَنْ يَكُونَ أَعْطَاهُ أَهْلَ الْبَأْسِ وَالنَّجْدَةِ دُونَ أَهْلِ الْعَجْزِ عَنْ الْغَنَاءِ، أَوْ أَعْطَاهُ مَنْ جَمَعَ الْحَاجَةَ وَالْغَنَاءَ مَا تَقُولُ لَهُ؟ قَالَ: أَقُولُ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ قَدْ أَعْطَى الْفَارِسَ ثَلاَثَةَ أَسْهُمٍ وَالرَّاجِلَ سَهْمًا قُلْت: أَفَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَعْطَى الْفَارِسَ وَالرَّاجِلَ مِمَّنْ هُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ؟ قَالَ: إذَا حُكِيَ أَنَّهُ أَعْطَى الْفَارِسَ وَالرَّاجِلَ فَهُوَ عَامٌّ حَتَّى تَأْتِيَ دَلاَلَةٌ بِخَبَرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَاصٌّ، وَهُوَ عَلَى الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَالْعَاجِزِ وَالشُّجَاعِ لِأَنَّا نَسْتَدِلُّ أَنَّهُمْ أُعْطُوهُ لِمَعْنَى الْحُضُورِ، فَقُلْت لَهُ: فَالدَّلاَلَةُ عَلَى أَنَّ ذَوِي الْقُرْبَى أُعْطُوا سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى بِمَعْنَى الْقَرَابَةِ مِثْلُهُ، أَوْ أَبْيَنُ قُلْت فِيمَنْ حَضَرَ أَرَأَيْت لَوْ قَالَ: قَائِلٌ مَا غُنِمَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ لَيْسَ بِالْكَثِيرِ، فَلَوْ غَزَا قَوْمٌ فَغَنِمُوا غَنَائِمَ كَثِيرَةً أَعْطَيْنَاهُمْ بِقَدْرِ مَا كَانُوا يَأْخُذُونَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، قَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنْ يستغنموا الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، فَإِذَا بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ لَهُمْ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ فَسَوَاءٌ قَلَّتْ، أَوْ كَثُرَتْ أَوْ قَلُّوا، أَوْ كَثُرُوا، أَوْ اسْتَغْنَوْا أَوْ افْتَقَرُوا: قُلْت فَلِمَ لاَ تَقُولُ هَذَا فِي سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى؟
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت لَوْ غَزَا نَفَرٌ يَسِيرٌ بِلاَدَ الرُّومِ فَغَنِمُوا مَا يَكُونُ السَّهْمُ فِيهِ مِائَةَ أَلْفٍ وَغَزَا آخَرُونَ التُّرْكَ فَلَمْ يَغْنَمُوا دِرْهَمًا وَلَقُوا قِتَالاً شَدِيدًا أَيَجُوزُ أَنْ تَصْرِفَ مِنْ التَّكْثِيرِ الَّذِي غَنِمَهُ الْقَلِيلُ بِلاَ قِتَالٍ مِنْ الرُّومِ شَيْئًا إلَى إخْوَانِهِمْ الْمُسْلِمِينَ الْكَثِيرِ الَّذِينَ لَقُوا الْقِتَالَ الشَّدِيدَ مِنْ التُّرْكِ، وَلَمْ يَغْنَمُوا شَيْئًا؟ قَالَ: لاَ قُلْت، وَلِمَ وَكُلٌّ يُقَاتِلُ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا؟ قَالَ: لاَ يُغَيَّرُ شَيْءٌ عَنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي سَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ بِمَعْنًى، وَلاَ عِلَّةٍ، قُلْت، وَكَذَلِكَ قُلْت فِي الْفَرَائِضِ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَفِيمَا جَاءَ مِنْهَا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَمَا ذَلِكَ؟ قُلْت أَرَأَيْت لَوْ قَالَ لَك: قَدْ يَكُونُ وَرِثُوا لِمَعْنَى مَنْفَعَتِهِمْ لِلْمَيِّتِ كَانَتْ فِي حَيَاتِهِ وَحِفْظِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَمَنْفَعَةٍ كَانَتْ لَهُمْ وَمَكَانِهِمْ كَانَ مِنْهُ وَمَا يَكُونُ مِنْهُمْ مِمَّا يَتَخَلَّى مِنْهُ غَيْرُهُمْ فَأَنْظُرُ فَأَيُّهُمْ كَانَ أَحَبَّ إلَيْهِ وَخَيْرًا لَهُ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ وَأَحْوَجَ إلَى تَرِكَتِهِ وَأَعْظَمَ مُصِيبَةً بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَأَجْعَلُ لَهُمْ سَهْمَ مَنْ خَالَفَهُمْ هَذَا مِمَّنْ كَانَ يُسِيءُ إلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ وَإِلَى تَرِكَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْ مِيرَاثِهِ قَالَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَلْ يُنَفَّلُ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ جَعَلَهُ قُلْت وَقَسْمُ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ وَالْمَوَارِيثِ وَالْوَصَايَا عَلَى الْأَسْمَاءِ دُونَ الْحَاجَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت لَهُ بَلْ قَدْ يُعْطَى أَيْضًا مَنْ الْفَيْءِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ قَالَ: نَعَمْ قَدْ أَخَذَ عُثْمَانُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ عَطَاءَهُمَا وَلَهُمَا غِنًى مَشْهُورٌ فَلَمْ يُمْنَعَاهُ مِنْ الْغِنَى قُلْت فَمَا بَالُ سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى، وَفِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَهُوَ أَثْبَتُ مِمَّنْ قُسِمَ لَهُ مِمَّنْ مَعَهُ مِنْ الْيَتَامَى وَابْنِ السَّبِيلِ وَكَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرْنَا، أَدْخَلْت فِيهِ مَا لاَ يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ فِي مِثْلِهِ أَضْعَفُ مِنْهُ؟ قَالَ: فَأَعَادَ هُوَ وَبَعْضُ مَنْ يَذْهَبُ مَذْهَبَهُ قَالُوا أَرَدْنَا أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ قُلْت لَهُ أَوْ مَا يُكْتَفَى بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؟ قَالَ: بَلَى قُلْت، فَقَدْ أَعَدْت هَذَا أَفَرَأَيْت إذَا لَمْ يَثْبُتْ بِخَبَرٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَلاَ عُمَرَ إعْطَاءُ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ أَطَرَحْتهمْ؟ قَالَ: لاَ قُلْت أَوَرَأَيْت إذَا لَمْ يَثْبُت عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ أَعْطَى الْمُبَارِزَ السَّلَبَ وَيَثْبُتُ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَعْطَاهُ أُخْرَى وَخَمَّسَهُ فَكَيْفَ؟ قُلْت فِيهِ: وَكَيْفَ اسْتَخْرَجْت تَثْبِيتَ السَّلَبِ إذًا؟ قَالَ: الْإِمَامُ هُوَ لِمَنْ قَتَلَ وَلَيْسَ يَثْبُتُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَخَالَفْت عُمَرَ فِي الْكَثِيرِ مِنْهُ وَخَالَفْت ابْنَ عَبَّاسٍ، وَهُوَ يَقُولُ السَّلَبُ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَفِي السَّلَبِ الْخُمُسُ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآيَةَ، قَالَ: إذَا ثَبَتَ الشَّيْءُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يُوَهِّنُهُ أَنْ لاَ يَثْبُتَ عَمَّنْ بَعْدَهُ، وَلاَ مَنْ خَالَفَهُ مِنْ بَعْدِهِ قُلْت، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ التَّأْوِيلُ؟ قَالَ: وَإِنْ؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْت لَهُ قَدْ ثَبَتَ حُكْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَوِي الْقُرْبَى بِسَهْمِهِمْ فَكَيْفَ أَبْطَلْته وَقُلْت، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} وَقَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فِيمَا سُقِيَ بِالسَّمَاءِ الْعُشْرُ» لَمْ يُخَصَّ مَالٌ دُونَ مَالٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلاَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ: إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ فِيمَا أَنْبَتَتْ الْأَرْضُ فَكَيْفَ؟ قُلْت لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ؟ قَالَ: فَإِنَّ أَبَا سَعِيدٍ لَوْ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت لَهُ هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ تَثْبُتُ رِوَايَتُهُ غَيْرَ أَبِي سَعِيدٍ؟ قَالَ لاَ قُلْت أَفَالْحَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى لِذِي الْقُرْبَى سَهْمَهُمْ أَثْبَتُ رِجَالاً وَأَعْرَفُ وَأَفْضَلُ أَمْ مَنْ رَوَى دُونَ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا الْحَدِيثَ؟ قَالَ: بَلْ مَنْ رَوَى مِنْهُمْ ذِي الْقُرْبَى قُلْت، وَقَدْ قَرَأْت لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاَثَةَ عُهُودٍ: عَهْدَهُ لِابْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَلَى الْبَحْرَيْنِ وَعَهْدَهُ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَلَى نَجْرَانَ وَعَهْدًا ثَالِثًا وَلِأَبِي بَكْرٍ عَهْدًا وَلِعُمَرَ عُهُودًا وَلِعُثْمَانَ عُهُودًا فَمَا وَجَدْت فِي وَاحِدٍ مِنْهَا قَطُّ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ». وَقَدْ عَهِدُوا فِي الْعُهُودِ الَّتِي قَرَأْت عَلَى الْعُمَّالِ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ أَخْذِ الصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا، وَلاَ وَجَدْنَا أَحَدًا قَطُّ يَرْوِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِيثٍ ثَابِتٍ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» غَيْرَ أَبِي سَعِيدٍ، وَلاَ وَجَدْنَا أَحَدًا قَطُّ يَرْوِي ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَلاَ عُمَرَ، وَلاَ عُثْمَانَ، وَلاَ عَلِيٍّ فَهَلْ وَجَدْته؟ قَالَ: لاَ قُلْت أَفَهَذَا؛ لِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ صَدَقَاتِ النَّاسِ مِنْ الطَّعَامِ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ، وَفِي السَّنَةِ مِرَارًا لِاخْتِلاَفِ زُرُوعِ الْبُلْدَانِ وَثِمَارِهَا أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ عَنْهُمْ مَشْهُورًا مَعْرُوفًا أَمْ سَهْمُ ذِي الْقُرْبَى الَّذِي هُوَ لِنَفَرٍ بِعَدَدٍ، وَفِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مِنْ السَّنَةِ؟ قَالَ: كِلاَهُمَا مِمَّا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا قُلْت أَفَتَطْرَحُ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ»؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَأَنَّ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ تَأَوَّلَ ظَاهِرَ الْكِتَابِ وَحَدِيثًا مِثْلَهُ وَيُخَالِفُهُ هُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَقَعُ عَلَى مَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَأَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَلاَ عُمَرَ، وَلاَ عُثْمَانَ، وَلاَ عَلِيٍّ؟ قَالَ: لاَ وَلَكِنِّي أَكْتَفِي بِالسُّنَّةِ مِنْ هَذَا كُلِّهِ فَقُلْت لَهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ لاَ أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} الآيَةَ. وَقَدْ قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ لاَ بَأْسَ بِأَكْلِ سِوَى مَا سَمَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ حَرَامٌ وَاحْتَجُّوا بِالْقُرْآنِ وَهُمْ كَمَا تَعْلَمُ فِي الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ وَرَوَى أَبُو إدْرِيسَ عَنْ «النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ» وَوَافَقَهُ الزُّهْرِيُّ فِيمَا يَقُولُ قَالَ: كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ حَرَامٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَذَكَرَهُ مَنْ خَالَفَ شَيْئًا مِمَّا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ حُجَّةٌ، وَلَوْ عَلِمَ الَّذِي قَالَ قَوْلاً يُخَالِفُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ رَجَعَ إلَيْهِ، وَقَدْ يَعْزُبُ عَنْ الطَّوِيلِ الصُّحْبَةِ السُّنَّةُ وَيَعْلَمُهَا بَعِيدُ الدَّارِ قَلِيلُ الصُّحْبَةِ وَقُلْت لَهُ جَعَلَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عُتْبَةَ وَغَيْرُهُمْ الْجَدَّ أَبًا وَتَأَوَّلُوا الْقُرْآنَ فَخَالَفْته لِقَوْلِ زَيْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: نَعَمْ وَخَالَفْت أَبَا بَكْرٍ فِي إعْطَاءِ الْمَمَالِيكِ فَقُلْت لاَ يُعْطَوْنَ قَالَ: نَعَمْ وَخَالَفْت عُمَرَ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ وَالْبَتَّةِ، وَفِي الَّتِي تُنْكَحُ فِي عِدَّتِهَا، وَفِي أَنَّ ضِعْفَ الْغُرْمِ عَلَى سُرَّاقِ نَاقَةِ الْمُزَنِيِّ وَفِي أَنْ قَضَى فِي الْقَسَامَةِ بِشَطْرِ الدِّيَةِ، وَفِي أَنْ جَلَدَ فِي التَّعْرِيضِ الْحَدَّ، وَجَلَدَ فِي رِيحِ الشَّرَابِ الْحَدَّ، وَفِي أَنْ جَلَدَ وَلِيدَةَ حَاطِبٍ وَهِيَ ثَيِّبٌ حَدَّ الزِّنَا حَدَّ الْبِكْرِ، وَفِي شَيْءٍ كَثِيرٍ مِنْهُ مَا تُخَالِفُهُ لِقَوْلِ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهُ مَا تُخَالِفُهُ، وَلاَ مُخَالِفَ لَهُ مِنْهُمْ قَالَ: نَعَمْ أُخَالِفُهُ لِقَوْلِ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْت لَهُ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ قَسَمَ مَالَهُ صَحِيحًا بَيْنَ وَرَثَتِهِ، ثُمَّ مَاتَ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ قَيْسًا فَقَالاَ: نَرَى أَنْ تَرُدُّوا عَلَيْهِ فَقَالَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ لاَ أَرُدُّ شَيْئًا قَضَاهُ سَعْدٌ وَوَهَبَ لَهُمْ نَصِيبَهُ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ رَدُّ شَيْءٍ أُعْطَوْهُ وَلَيْسَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي هَذَا مُخَالِفٌ مِنْ أَصْحَابِهِمَا فَتَرُدُّ قَوْلَهُمَا مُجْتَمِعَيْنِ، وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمَا وَتَرُدُّ قَوْلَهُمَا مُجْتَمِعَيْنِ فِي قَطْعِ يَدِ السَّارِقِ بَعْدَ يَدِهِ وَرِجْلِهِ لاَ مُخَالِفَ لَهُمَا إلَّا مَا لاَ يَثْبُتُ مِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: ثُمَّ عَدَدْت عَلَيْهِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ قَضِيَّةً لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَمْ يُخَالِفْهُ فِيهَا غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِيثٍ يَثْبُتُ مِثْلُهُ نَأْخُذُ بِهَا نَحْنُ وَيَدَعُهَا هُوَ مِنْهَا أَنَّ عُمَرَ قَالَ: فِي الَّتِي نُكِحَتْ فِي عِدَّتِهَا فَأُصِيبَتْ تَعْتَدُّ عِدَّتَيْنِ وَقَالَ: عَلِيٌّ وَمِنْهَا أَنَّ عُمَرَ قَضَى فِي الَّذِي لاَ يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَمِنْهَا أَنَّ عُمَرَ رَأَى أَنَّ الْأَيْمَانَ فِي الْقَسَامَةِ عَلَى قَوْمٍ، ثُمَّ حَوَّلَهَا عَلَى آخَرِينَ فَقَالَ: إنَّمَا أَلْزَمَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلَ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَرَضَ عَلَيْنَا أَنْ نَأْخُذَ بِهِ أَفَيَجُوزُ أَنْ تُخَالِفَ شَيْئًا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ خَالَفَهُ مِائَةٌ وَأَكْثَرُ مَا كَانَتْ فِيهِمْ حُجَّةٌ قُلْت، فَقَدْ خَالَفْت كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَالَفَهُ قَالَ: فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كُنَّا نَرَاهُ لَنَا فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا قَوْمُنَا قُلْت هَذَا كَلاَمٌ عَرَبِيٌّ يَخْرُجُ عَامًّا، وَهُوَ يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ قَالَ: وَمِثْلُ مَاذَا؟ قُلْت مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ} الآيَةَ. فَنَحْنُ وَأَنْتَ نَعْلَمُ أَنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ إلَّا بَعْضُ النَّاسِ وَاَلَّذِينَ قَالُوهُ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ وَأَنْ لَمْ يُجْمَعْ لَهُمْ النَّاسُ كُلُّهُمْ إنَّمَا جُمِعَتْ لَهُمْ عِصَابَةٌ انْصَرَفَتْ عَنْهُمْ مِنْ أُحُدٍ قَالَ: هَذَا كُلُّهُ هَكَذَا؟ قُلْت إذًا لَمْ يُسَمِّ ابْنُ عَبَّاسٍ أَحَدًا مِنْ قَوْمِهِ أَلَمْ تَرَهُ كَلاَمًا مِنْ كُلِّهِمْ وَابْنُ عَبَّاسٍ يَرَاهُ لَهُمْ؟ فَكَيْفَ لَمْ تَحْتَجَّ بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لاَ يَرَاهُ لَهُمْ إلَّا حَقًّا عِنْدَهُ وَاحْتَجَجْت بِحَرْفِ جُمْلَةٍ خُبِرَ فِيهِ أَنَّ غَيْرَهُ قَدْ خَالَفَهُ فِيهِ مَعَ أَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فِيهِ أَثْبَتُ مِنْ أَنْ يُحْتَاجَ مَعَهُمَا إلَى شَيْءٍ، قَالَ: أَفَيَجُوزُ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا قَوْمُنَا يَعْنِي غَيْرَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْت: نَعَمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَنَى بِهِ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ وَأَهْلَهُ قَالَ: فَكَيْفَ لَمْ يُعْطِهِمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى؟ قُلْت فَأَعْطَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَهْمَ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ قَالَ: لاَ أَرَاهُ إلَّا قَدْ فَعَلَ قُلْت أَفَيَجُوزُ أَنْ تَقُولَ أَرَاهُ قَدْ فَعَلَ فِي سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى؟ قَالَ: أَرَاهُ لَيْسَ بِيَقِينٍ قُلْت أَفَتُبْطِلُ سَهْمَ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ حَتَّى تَتَيَقَّنَ أَنْ قَدْ أَعْطَاهُمُوهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: لاَ قُلْت، وَلَوْ قَالَ: عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى لاَ أُعْطِيهُمُوهُ وَلَيْسَ لَهُمْ كَانَ عَلَيْنَا أَنْ نُعْطِيهُمُوهُ إذَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَعْطَاهُمُوهُ قَالَ: نَعَمْ قُلْت وَتُخَالِفُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي حُكْمٍ لَوْ حَكَمَ بِهِ لَمْ يُخَالِفْهُ فِيهِ غَيْرُهُ؟ قَالَ: وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ التَّابِعِينَ لاَ يَلْزَمُنَا قَوْلُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ كَأَحَدِنَا قُلْت فَكَيْفَ احْتَجَجْت بِالتَّوَهُّمِ عَنْهُ، وَهُوَ عِنْدَك هَكَذَا؟ قَالَ: فَعَرَضْت بَعْضَ مَا حَكَيْت مِمَّا كَلَّمْت بِهِ مَنْ كَلَّمَنِي فِي سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى عَلَى عَدَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فَكُلُّهُمْ قَالَ: إذَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْفَرْضُ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى خَلْقِهِ اتِّبَاعُهُ، وَالْحُجَّةُ الثَّابِتَةُ فِيهِ وَمَنْ عَارَضَهُ بِشَيْءٍ يُخَالِفُهُ عَنْ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مُخْطِئٌ ثُمَّ إذَا كَانَ مَعَهُ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَذَلِكَ أَلْزَمُ لَهُ وَأَوْلَى أَنْ لاَ يَحْتَجَّ أَحَدٌ مَعَهُ. وَسَهْمُ ذِي الْقُرْبَى ثَابِتٌ فِي الْكِتَابِ وَالسَّنَة.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى وَمَا أَخَذَ الْوُلاَةُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ جِزْيَتِهِمْ وَالصُّلْحُ عَنْ أَرْضِهِمْ وَمَا أُخِذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إذَا اخْتَلَفُوا فِي بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ أَمْوَالِهِمْ إنْ صَالَحُوا بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ، وَلاَ رِكَابٍ وَمِنْ أَمْوَالِهِمْ إنْ مَاتَ مِنْهُمْ مَيِّتٌ لاَ وَارِثَ لَهُ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِمَّا أَخَذَهُ الْوُلاَةُ مِنْ مَالِ الْمُشْرِكِينَ فَالْخُمُسُ فِي جَمِيعِهِ ثَابِتٌ فِيهِ، وَهُوَ عَلَى مَا قَسَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ قَسَمَهُ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْخُمُسِ الْمُوجَفِ عَلَيْهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمُسَمَّى فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: قَالَ لِي قَائِلٌ قَدْ احْتَجَجْت بِأَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى عَامَ خَيْبَرَ ذَوِي الْقُرْبَى» وَخَيْبَرَ مِمَّا أَوْجَفَ عَلَيْهِ فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ الْخُمُسَ لَهُمْ مِمَّا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ؟ فَقُلْت لَهُ وَجَدْت الْمَالَيْنِ أُخِذَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَخَوَّلَهُمَا بَعْضُ أَهْلِ دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَجَدْت اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ حَكَمَ فِي خُمُسِ الْغَنِيمَةِ بِأَنَّهُ عَلَى خَمْسَةٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {لِلَّهِ} مِفْتَاحُ كَلاَمِ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهُ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ فَأَنْفَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَوِي الْقُرْبَى حَقَّهُمْ فَلاَ يَشُكُّ أَنَّهُ قَدْ أَنْفَذَ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ حَقَّهُمْ وَأَنَّهُ قَدْ انْتَهَى إلَى كُلِّ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ فَلَمَّا وَجَدْت اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَالَ فِي سُورَةِ الْحَشْرِ: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} الآيَةَ، فَحَكَمَ فِيهَا حُكْمَهُ فِيمَا أُوجِفَ عَلَيْهِ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ وَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ عَلَى خُمُسِهَا عَلِمْت أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمْضَى لَكِنْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ شَيْئًا مِمَّا جَعَلَ اللَّهُ لَهُ وَإِنْ لَمْ نُثْبِتْ فِيهِ خَبَرًا عَنْهُ كَخَبَرِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْهُ فِي سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى مِنْ الْمُوجَفِ عَلَيْهِ كَمَا عَلِمْت أَنْ قَدْ أَنْفَذَ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ فِيمَا أُوجِفَ عَلَيْهِ مِمَّا جُعِلَ لَهُمْ بِشَهَادَةٍ أَقْوَى مِنْ خَبَرِ رَجُلٍ عَنْ رَجُلٍ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَدَّى إلَيْهِ رَسُولُهُ كَمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ أَدَاءَهُ وَالْقِيَامَ بِهِ فَقَالَ لِي قَائِلٌ: فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَعَلَ الْخُمُسَ فِيمَا أَوْجَفَ عَلَيْهِ عَلَى خَمْسَةٍ وَجَعَلَ الْكُلَّ فِيمَا لاَ يُوجَفُ عَلَيْهِ عَلَى خَمْسَةٍ فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّهُ إنَّمَا لِلْخَمْسَةِ الْخُمُسُ لاَ الْكُلُّ؟ فَقُلْت لَهُ مَا أَبْعَدَ مَا بَيْنَك وَبَيْنَ مَنْ يُكَلِّمُنَا فِي إبْطَالِ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى، أَنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُثْبِتَ لِذِي الْقُرْبَى خُمُسَ الْجَمِيعِ مِمَّا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ، وَلاَ رِكَابٍ وَغَيْرُك يُرِيدُ أَنْ يُبْطِلَ عَنْهُمْ خُمُسَ الْخُمُسِ قَالَ إنَّمَا قَصَدْت فِي هَذَا قَصْدَ الْحَقِّ فَكَيْفَ لَمْ تَقُلْ بِمَا قُلْت بِهِ وَأَنْتَ شَرِيكِي فِي تِلاَوَةِ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَك فِيمَا زَادَ لِذِي الْقُرْبَى؟ فَقُلْت لَهُ إنَّ حَظِّي فِيهِ لاَ يَدْعُونِي أَنْ أَذْهَبَ فِيهِ إلَى مَا يَعْلَمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنِّي أَرَى الْحَقَّ فِي غَيْرِهِ قَالَ فَمَا دَلَّك عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ لَهُ خُمُسُ الْغَنِيمَةِ الْمُوجَفُ عَلَيْهَا خُمُسُ الْفَيْءِ الَّذِي لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ دُونَ الْكُلِّ. قُلْت أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ عُمَرَ قَالَ كَانَتْ بَنُو النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ، وَلاَ رِكَابٍ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِصًا دُونَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ لَسْت أَنْظُرُ إلَى الْأَحَادِيثِ وَالْقُرْآنُ أَوْلَى بِنَا. وَلَوْ نَظَرْت إلَى الْحَدِيثِ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً فَقُلْت لَهُ هَذَا كَلاَمٌ عَرَبِيٌّ إنَّمَا يَعْنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ الْمُوجِفِينَ وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ قَالَ: فَاسْتَدْلَلْت بِخَبَرِ عُمَرَ عَلَى أَنَّ الْكُلَّ لَيْسَ لِأَهْلِ الْخُمُسِ مِمَّا أُوجِفَ عَلَيْهِ قُلْت نَعَمْ قَالَ فَالْخَبَرُ أَنَّهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً فَمَا دَلَّ عَلَى الْخُمُسِ لِأَهْلِ الْخُمُسِ مَعَهُ؟ قُلْت لَمَّا احْتَمَلَ قَوْلُ عُمَرَ أَنْ يَكُونَ الْكُلُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْ تَكُونَ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ الَّتِي كَانَتْ تَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ فِيمَا أُوجِفَ عَلَيْهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ الْخُمُسِ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ فِيهَا مَقَامَ الْمُسْلِمِينَ اسْتَدْلَلْنَا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْحَشْرِ: {فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} الآيَةَ. عَلَى أَنَّ لَهُمْ الْخُمُسَ وَأَنَّ الْخُمُسَ إذَا كَانَ لَهُمْ، وَلاَ يُشَكُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَّمَهُ لَهُمْ فَاسْتَدْلَلْنَا إذَا كَانَ حُكْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْأَنْفَالِ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الْآيَةُ فَاتَّفَقَ الْحُكْمَانِ فِي سُورَةِ الْحَشْرِ وَسُورَةِ الْأَنْفَالِ لِقَوْمٍ مَوْصُوفِينَ، وَإِنَّمَا لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْخُمُسُ لاَ غَيْرُهُ فَقَالَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مِمَّا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ الْكُلُّ؟ قُلْت: نَعَمْ فَلَهُمْ الْكُلُّ وَنَدَعُ الْخَبَرَ قَالَ لاَ يَجُوزُ عِنْدَنَا تَرْكُ الْخَبَرِ وَالْخَبَرُ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْخَاصِّ وَالْعَامِّ فَقَالَ لِي قَائِلٌ غَيْرُهُ فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ الْخُمُسَ ثَابِتٌ فِي الْجِزْيَةِ وَمَا أَخَذَهُ الْوُلاَةُ مِنْ مُشْرِكٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَذَكَرْت لَهُ الْآيَةَ فِي الْحَشْرِ قَالَ فَأُولَئِكَ أُوجِفَ عَلَيْهِمْ بِلاَ خَيْلٍ، وَلاَ رِكَابٍ فَأَعْطَوْهُ بِشَيْءٍ أَلْقَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْت أَرَأَيْت الْجِزْيَةَ الَّتِي أَعْطَاهَا مَنْ أُوجِفَ عَلَيْهِ بِلاَ خَيْلٍ، وَلاَ رِكَابٍ لَمَّا كَانَ أَصْلُ إعْطَائِهَا مِنْهُمْ لِلْخَوْفِ مِنْ الْغَلَبَةِ، وَقَدْ سَيَّرَ إلَيْهِمْ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَأَعْطَوْا فِيهَا أَهِيَ أَقْرَبُ مِنْ الْإِيجَافِ أَمْ مَنْ أَعْطَى بِأَمْرٍ لَمْ يُسَيَّرْ إلَيْهِ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت: فَإِذَا كَانَ حُكْمُ اللَّهِ فِيمَا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ، وَلاَ رِكَابٍ حَتَّى يَكُونَ مَأْخُوذًا مِثْلَ صُلْحٍ لاَ مِثْلَ مَا أُوجِفَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ صُلْحٍ أَنْ يَكُونَ لِمَنْ سَمَّى كَيْفَ لَمْ تَكُنْ الْجِزْيَةُ وَمَا أَخَذَهُ الْوُلاَةُ مِنْ مُشْرِكٍ بِهَذِهِ الْحَالِ؟ قَالَ: فَهَلْ مِنْ دَلاَلَةٍ غَيْرُ هَذَا؟ قُلْت: فِي هَذَا كِفَايَةٌ، وَفِي أَنَّ أَصْلَ مَا قَسَمَ اللَّهُ مِنْ الْمَالِ ثَلاَثَةُ وُجُوهٍ: الصَّدَقَاتُ وَهِيَ مَا أُخِذَ مِنْ مُسْلِمٍ فَتِلْكَ لِأَهْلِ الصَّدَقَاتِ لاَ لِأَهْلِ الْفَيْءِ. وَمَا غُنِمَ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَتِلْكَ عَلَى مَا قَسَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَالْفَيْءُ الَّذِي لاَ يُوجَفُ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ، وَلاَ رِكَابٍ. فَهَلْ تَعْلَمُ رَابِعًا؟ قَالَ: لاَ قُلْت: فَبِهَذَا قُلْنَا الْخُمُسُ ثَابِتٌ لِأَهْلِهِ فِي كُلِّ مَا أُخِذَ مِنْ مُشْرِكٍ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَعْدُو مَا أُخِذَ مِنْهُ أَبَدًا أَنْ يَكُونَ غَنِيمَةً، أَوْ فَيْئًا وَالْفَيْءُ مَا رَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَهْلِ دِينِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُحْصِيَ جَمِيعَ مَا فِي الْبُلْدَانِ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ وَهُمْ مَنْ قَدْ احْتَلَمَ، أَوْ قَدْ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ الرِّجَالِ وَيُحْصِي الذُّرِّيَّةَ وَهُمْ مَنْ دُونَ الْمُحْتَلِمِ وَدُونِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَالنِّسَاءَ صَغِيرَهُنَّ وَكَبِيرَهُنَّ وَيَعْرِفَ قَدْرَ نَفَقَاتِهِمْ وَمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ فِي مُؤْنَاتِهِمْ بِقَدْرِ مَعَاشِ مِثْلِهِمْ فِي بُلْدَانِهِمْ ثُمَّ يُعْطِي الْمُقَاتِلَةَ فِي كُلِّ عَامٍّ عَطَاءَهُمْ وَالذُّرِّيَّةُ مَا يَكْفِيهِمْ لِسَنَتِهِمْ مِنْ كِسْوَتِهِمْ وَنَفَقَتِهِمْ طَعَامًا، أَوْ قِيمَتِهِ دَرَاهِمَ، أَوْ دَنَانِيرَ وَيُعْطِي الْمَنْفُوسَ شَيْئًا ثُمَّ يُزَادُ كُلَّمَا كَبُرَ عَلَى قَدْرِ مُؤْنَتِهِ، وَهَذَا يَسْتَوِي فِي أَنَّهُمْ يُعْطُونَ الْكِفَايَةَ وَيُخْتَلَفُ فِي مَبْلَغِ الْعَطَايَا بِاخْتِلاَفِ أَسْعَارِ الْبُلْدَانِ وَحَالاَتِ النَّاسِ فِيهَا، فَإِنَّ الْمُؤْنَةَ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ أَثْقَلُ مِنْهَا فِي بَعْضٍ، وَلَمْ أَعْلَمْ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْعَطَاءَ لِلْمُقَاتِلَةِ حَيْثُ كَانَتْ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْفَيْءِ وَقَالُوا فِي إعْطَاءِ الرَّجُلِ نَفْسَهُ لاَ بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ لِنَفْسِهِ أَكْثَرَ مِنْ كِفَايَتِهِ وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بَلَغَ بِالْعَطَاءِ خَمْسَةَ آلاَفٍ وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ كِفَايَةِ الرَّجُلِ نَفْسَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: خَمْسَةُ آلاَفٍ بِالْمَدِينَةِ لِرَجُلٍ يُغْزَى إذَا غَزَا لَيْسَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ الْكِفَايَةِ إذَا غَزَا عَلَيْهَا لِبُعْدِ الْمَغْزَى، وَقَالَ: هِيَ كَالْكِفَايَةِ عَلَى أَنَّهُ يُغْزَى، وَإِنْ لَمْ يَغْزُ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَقَالُوا وَيُفْرَضُ لِمَنْ هُوَ أَقْرَبُ لِلْجِهَادِ، أَوْ أَرْخَصُ سِعْرِ بَلَدٍ أَقَلَّ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ لَقِيته فِي أَنْ لَيْسَ لِلْمَمَالِيكِ فِي الْعَطَاءِ، وَلاَ لِلْأَغْرَابِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الصَّدَقَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّفْضِيلِ عَلَى السَّابِقَةِ وَالنَّسَبِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أُسَاوِي بَيْنَ النَّاسِ، وَلاَ أُفَضِّلُ عَلَى نَسَبٍ، وَلاَ سَابِقَةٍ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ حِينَ قَالَ لَهُ عُمَرُ أَتَجْعَلُ الَّذِينَ جَاهَدُوا فِي اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَهَجَرُوا دِيَارَهُمْ لَهُ كَمَنْ إنَّمَا دَخَلَ فِي الْإِسْلاَمِ كُرْهًا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إنَّمَا عَمِلُوا لِلَّهِ، وَإِنَّمَا أُجُورُهُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّمَا الدُّنْيَا بَلاَغٌ وَخَيْرُ الْبَلاَغِ أَوْسَعُهُ وَسَوَّى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ بَيْنَ النَّاسِ فَلَمْ يُفَضِّلْ أَحَدًا عَلِمْنَاهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَهَذَا الَّذِي أَخْتَارُ وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ وَذَلِكَ أَنِّي رَأَيْت قَسْمَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ فِي الْمَوَارِيثِ عَلَى الْعَدَدِ، وَقَدْ تَكُونُ الْإِخْوَةُ مُتَفَاضِلِي الْغَنَاءَ عَلَى الْمَيِّتِ وَالصِّلَةِ فِي الْحَيَاةِ وَالْحِفْظِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلاَ يَفْضُلُونَ وَقِسْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ عَلَى الْعَدَدِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَغْنَى غَايَةَ الْغِنَاءِ وَيَكُونُ الْفُتُوحُ عَلَى يَدَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ مَحْضَرُهُ إمَّا غَيْرُ نَافِعٍ وَإِمَّا ضَرَرٌ بِالْجُبْنِ وَالْهَزِيمَةِ فَلَمَّا وَجَدْت السُّنَّةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَعْطَاهُمْ بِالْحُضُورِ وَسَوَّى بَيْنَ الْفُرْسَانِ أَهْلِ الْغَنَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَالرَّجَّالَةِ وَهُمْ يَتَفَاضَلُونَ كَمَا وَصَفْت كَانَتْ التَّسْوِيَةُ أَوْلَى عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مِنْ التَّفْضِيلِ عَلَى نَسَبٍ وَسَابِقَةٍ، وَلَوْ وَجَدْت الدَّلاَلَةَ عَلَى التَّفْضِيلِ أَرْجَحَ بِكِتَابٍ، أَوْ سُنَّةٍ كُنْت إلَى التَّفْضِيلِ بِالدَّلاَلَةِ مِنْ الْهَوَاءِ فِي التَّفْضِيلِ أَسْرَعَ، وَلَكِنِّي أَقُولُ يُعْطُونَ عَلَى مَا وَصَفْت، وَإِذَا قَرُبَ الْقَوْمُ مِنْ الْجِهَادِ وَرَخُصَتْ أَسْعَارُهُمْ أُعْطُوا أَقَلَّ مَا يُعْطَى مَنْ بَعُدَتْ دَارُهُ وَغَلاَ سِعْرُهُ وَهَذَا، وَإِنْ تَفَاضَلَ عَدَدُ الْعَطِيَّةِ مِنْ التَّسْوِيَةِ عَلَى مَعْنَى مَا يَلْزَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْجِهَادِ إذَا أَرَادَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَغْزُوا إذَا أَغَزَوْا وَيَرَى الْإِمَامُ فِي إغْزَائِهِمْ رَأْيَهُ، فَإِذَا أَغْزَى الْبَعِيدَ أَغْزَاهُ إلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ مِنْ مُجَاهِدِهِ فَإِنْ اسْتَغْنَى مُجَاهِدُهُ بِعَدَدٍ وَكَثُرَ مِنْ قُرْبِهِمْ أَغْزَاهُمْ إلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ مِنْ مُجَاهِدِهِمْ، وَلِهَذَا كِتَابٌ غَيْرُ هَذَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي إعْطَاءِ مَنْ دُونَ الْبَالِغِينَ مِنْ الذُّرِّيَّةِ وَإِعْطَاءِ نِسَاءِ أَهْلِ الْفَيْءِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُعْطُونَ مِنْ الْفَيْءِ وَأَحْسِبُ مِنْ حُجَّتِهِمْ أَنْ يَقُولُوا إنَّا إذَا مَنَعْنَاهُمْ الْفَيْءَ وَمُؤْنَتُهُمْ تَلْزَمُ رِجَالَهُمْ كُنَّا لَمْ نُعْطِهِمْ مَا يَكْفِيهِمْ، وَإِنْ أَعْطَيْنَا رِجَالَهُمْ الْكِفَايَةَ لِأَنْفُسِهِمْ فَعَلَيْهِمْ مُؤْنَةُ عِيَالِهِمْ وَلَيْسَ فِي إعْطَائِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ كِفَايَةُ مَا يَلْزَمُهُمْ فَدَخَلَ عَلَيْنَا أَنْ لَمْ نُعْطِهِمْ مَالَ الْكِفَايَةِ مِنْ الْفَيْءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إذَا كَانَ أَصْلُ الْمَالِ غَنِيمَةً وَفَيْئًا وَصَدَقَةً فَالْفَيْءُ لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهِ، أَوْ مَنْ سَوَّى مَعَهُمْ فِي الْخُمُسِ، وَالصَّدَقَةُ لِمَنْ لاَ يُقَاتِلُ مِنْ ذُرِّيَّةٍ وَنِسَاءٍ وَلَيْسُوا بِأَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْأَغْرَابِ وَنِسَائِهِمْ وَرِجَالِهِمْ الَّذِينَ لاَ يُعْطُونَ مِنْ الْفَيْءِ إذْ لاَ يُقَاتِلُونَ عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَا أَحَدٌ إلَّا وَلَهُ فِي هَذَا الْمَالِ حَقٌّ أُعْطِيَهُ أَوْ مُنِعَهُ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ عُمَرَ نَحْوَهُ وَقَالَ لَئِنْ عِشْت لَيَأْتِيَنَّ الرَّاعِيَ بُسْرًا وَحَمِيرَ حَقُّهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَهَذَا الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ مِنْهَا أَنْ يَقُولَ لَيْسَ أَحَدٌ يُعْطِي بِمَعْنَى حَاجَةٍ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ، أَوْ بِمَعْنَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ الَّذِينَ يَغْزُونَ لاَ وَلَهُ حَقٌّ فِي مَالِ الْفَيْءِ، أَوْ الصَّدَقَةِ، وَهَذَا كَأَنَّهُ أَوْلَى مَعَانِيهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا دَلَّ عَلَى هَذَا؟ قِيلَ: قَدْ «قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّدَقَةِ لاَ حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلاَ لِذِي مِرَّةٍ مُكْتَسِبٍ» «وَقَالَ لِرَجُلَيْنِ سَأَلاَهُ إنْ شِئْتُمَا إنْ قُلْتُمَا نَحْنُ مُحْتَاجُونَ أَعْطَيْتُكُمَا إذَا كُنْت لاَ أَعْرِفُ عِيَالَكُمَا، وَلاَ حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ» وَاَلَّذِي أَحْفَظُهُ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْأَعْرَابَ لاَ يُعْطُونَ مِنْ الْفَيْءِ، وَلَوْ قُلْنَا مَعْنَى قَوْلِهِ إلَّا وَلَهُ فِي هَذَا الْمَالِ يَعْنِي الْفَيْءَ حَقٌّ كُنَّا خَالَفْنَا مَا لاَ نَعْلَمُ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ لِمَنْ أُعْطِيَ مِنْ الصَّدَقَةِ مَا يَكْفِيهِ، وَلاَ لِمَنْ كَانَ غَنِيًّا مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ الَّذِينَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي الْفَيْءِ نَصِيبٌ، وَلَوْ قُلْنَا يَعْنِي عُمَرَ إلَّا لَهُ فِي هَذَا الْمَالِ حَقُّ مَالِ الصَّدَقَاتِ كُنَّا قَدْ خَالَفْنَا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لاَ حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ» وَمَا لاَ نَعْلَمُ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَهْلِ الْفَيْءِ مِنْ الصَّدَقَةِ نَصِيبٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَأَهْلُ الْفَيْءِ كَانُوا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْزِلٍ عَنْ الصَّدَقَةِ وَأَهْلُ الصَّدَقَةِ بِمَعْزِلٍ عَنْ الْفَيْءِ قَالَ وَالْعَطَاءُ الْوَاجِبُ مِنْ الْفَيْءِ لاَ يَكُونُ إلَّا لِبَالِغٍ يُطِيقُ مِثْلُهُ الْقِتَالَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ «عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ عُرِضْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَرَدَّنِي ثُمَّ عُرِضْت عَلَيْهِ عَامَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَنِي» قَالَ نَافِعٌ فَحَدَّثْت بِهَذَا الْحَدِيثِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ هَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُقَاتِلَةِ وَالذُّرِّيَّةِ وَكَتَبَ فِي أَنْ يُفْرَضَ لِابْنِ خَمْسَ عَشْرَةَ فِي الْمُقَاتِلَةِ وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْهَا فِي الذُّرِّيَّةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَكْمِلُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً أَعْمَى لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ أَبَدًا، أَوْ مَنْقُوصَ الْخَلْقِ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ أَبَدًا لَمْ يُفْرَضْ لَهُ فَرْضُ الْمُقَاتِلَةِ وَأُعْطِيَ بِمَعْنَى الْكِفَايَةِ فِي الْمُقَامِ وَالْكِفَايَةُ فِي الْمُقَامِ شَبِيهٌ بِعَطَاءِ الذُّرِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْكِفَايَةَ فِي الْقِتَالِ لِلسَّفَرِ وَالْمُؤْنَةِ أَكْثَرُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ سَالِمًا فِي الْمُقَاتِلَةِ ثُمَّ عَمِيَ أَوْ أَصَابَهُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُجَاهِدُ مَعَهُ أَبَدًا صُيِّرَ إلَى أَنْ يُعْطِيَ الْكِفَايَةَ فِي الْمُقَامِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى، وَإِنْ مَرِضَ مَرَضًا طَوِيلاً قَدْ يُرْجَى بُرْؤُهُ مِنْهُ أَعْطَاهُ عَطَاءَ الْمُقَاتِلَةِ وَيَخْرُجُ الْعَطَاءُ فِي كُلِّ عَامٍ لِلْمُقَاتِلَةِ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ أَعْطَيْت الذُّرِّيَّةَ عَلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَإِذَا صَارَ مَالُ الْفَيْءِ إلَى الْوَالِي ثُمَّ مَاتَ مَيِّتٌ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ عَطَاءَهُ أَعْطَى وَرَثَتَهُ عَطَاءَهُ. وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ الْمَالُ الَّذِي فِيهِ عَطَاؤُهُ لِذَلِكَ الْعَامِ إلَى الْوَالِي لَمْ تُعْطَ وَرَثَتُهُ عَطَاءَهُ. وَإِنْ فَضَلَ مِنْ الْمَالِ فَضْلٌ بَعْدَمَا وَصَفْت مِنْ إعْطَاءِ الْعَطَاءِ وَضَعَهُ الْإِمَامُ فِي إصْلاَحِ الْحُصُونِ وَالِازْدِيَادِ فِي السِّلاَحِ وَالْكُرَاعِ وَكُلِّ مَا قَوَّى بِهِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ اسْتَغْنَى بِهِ الْمُسْلِمُونَ وَكَمُلَتْ كُلُّ مَصْلَحَةٍ لَهُمْ فَرْقُ مَا بَقِيَ مِنْهُ بَيْنَهُمْ كُلُّهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّونَ فِي ذَلِكَ الْمَالِ. وَإِنْ ضَاقَ الْفَيْءُ عَنْ مَبْلَغِ الْعَطَاءِ فَرَّقَ بَيْنَهُمْ بَالِغًا مَا بَلَغَ لَمْ يَحْبِسْ عَنْهُمْ مِنْهُ شَيْئًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَيُعْطَى مِنْ الْفَيْءِ رِزْقُ الْحُكَّامِ وَوُلاَةِ الْأَحْدَاثِ وَالصِّلاَتِ بِأَهْلِ الْفَيْءِ وَكُلِّ مَنْ قَامَ بِأَمْرِ أَهْلِ الْفَيْءِ مِنْ وَالٍ وَكَاتِبٍ وَجُنْدِيٍّ مِمَّنْ لاَ غِنَى لِأَهْلِ الْفَيْءِ عَنْهُ رِزْقَ مِثْلِهِ فَإِنْ وَجَدَ مَنْ يَغْنَى غَنَاءَهُ وَيَكُونُ أَمِينًا كَمَا يَلِي لَهُ بِأَقَلَّ مِمَّا وَلِيَ، وَلَمْ يَزِدْ أَحَدًا عَلَى أَقَلِّ مَا يُحْدِثُهُ أَهْلُ الْغَنَاءِ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْزِلَةَ الْوَالِي مِنْ رَعِيَّتِهِ بِمَنْزِلَةِ وَالِي مَالِ الْيَتِيمِ مِنْ مَالِهِ لاَ يُعْطَى مِنْهُ عَلَى الْغَنَاءِ عَلَى الْيَتِيمِ إلَّا أَقَلَّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. قَالَ وَإِنْ وَلِيَ أَحَدٌ عَلَى أَهْلِ الصَّدَقَاتِ كَانَ رِزْقُهُ مِمَّا يُؤْخَذُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهَا حَقًّا، وَلاَ يُعْطَى مِنْ الْفَيْءِ عَلَيْهَا كَمَا لاَ يُعْطَى مِنْ الصَّدَقَاتِ عَلَى الْفَيْءِ، وَلاَ يُرْزَقُ مِنْ الْفَيْءِ عَلَى وِلاَيَةِ شَيْءٍ إلَّا مَا لاَ صَلاَحَ فَلاَ يَدْخُلُ الْأَكْثَرُ فِيمَنْ يَرْزُقُهُ عَلَى الْفَيْءِ، وَهُوَ يُغْنِيهِ الْأَقَلُّ. وَإِنْ ضَاقَ الْفَيْءُ عَنْ أَهْلِهِ آسَى بَيْنَهُمْ فِيهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ فِي قَسْمِ الْفَيْءِ فَذَهَبُوا بِهِ مَذَاهِبَ لاَ أَحْفَظُ عَنْهُمْ تَفْسِيرَهَا، وَلاَ أَحْفَظُ أَيُّهُمْ قَالَ مَا أَحْكِي مِنْ الْقَوْلِ دُونَ مَا خَالَفَهُ وَسَأَحْكِي مَا حَضَرَنِي مِنْ مَعَانِي كُلِّ مَنْ قَالَ فِي الْفَيْءِ شَيْئًا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا الْمَالُ لِلَّهِ دَلَّ عَلَى مَنْ يُعْطَاهُ، فَإِذَا اجْتَهَدَ الْوَالِي فَأَعْطَاهُ فَفَرَّقَهُ فِي جَمِيعِ مَنْ سَمَّى لَهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى مِنْ اسْتِحْقَاقِهِمْ بِالْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَإِنْ فَضَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْعَطَاءِ فَذَلِكَ تَسْوِيَةٌ إذَا كَانَ مَا يُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِسَدِّ خُلَّتِهِ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ صِنْفًا مِنْهُمْ وَيَحْرِمَ صِنْفًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إذَا اجْتَمَعَ الْمَالُ وَنَظَرَ فِي مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ فَرَأَى أَنْ يَصْرِفَ الْمَالَ إلَى بَعْضِ الْأَصْنَافِ دُونَ بَعْضٍ فَكَانَ الصِّنْفُ الَّذِي يَصْرِفُهُ إلَيْهِ لاَ يَسْتَغْنِي عَنْ شَيْءٍ مِمَّا يَصْرِفُ إلَيْهِ كَانَ أَرْفَقَ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ صَرَفَهُ، وَإِنْ حَرَمَ غَيْرَهُ، وَيُشْبِهُ قَوْلَ الَّذِي يَقُولُ هَذَا إنْ طَلَبَ الْمَالَ صِنْفَانِ فَكَانَ إذَا حَرَمَهُ أَحَدَ الصِّنْفَيْنِ تَمَاسَكَ، وَلَمْ يُدْخِلْ عَلَيْهِ خَلَّةً مُضِرَّةً، وَإِنْ آسَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصِّنْفِ الْآخَرِ كَانَتْ عَلَى الصِّنْفِ الْآخَرِ مَضَرَّةٌ أَعْطَاهُ الَّذِي فِيهِمْ الْخَلَّةُ الْمُضِرَّةُ كُلَّهُ إذَا لَمْ يَسُدَّ خَلَّتَهُمْ غَيْرُهُ، وَإِنْ مَنَعَهُ الْمُتَمَاسِكِينَ كُلَّهُ ثُمَّ قَالَ بَعْضُ مَنْ قَالَهُ: إذَا صَرَفَ مَالَ الْفَيْءِ إلَى نَاحِيَةٍ فَسَدَّهَا وَحَرَمَ الْأُخْرَى ثُمَّ جَاءَ مَالٌ آخَرُ أَعْطَاهَا دُونَ النَّاحِيَةِ الَّتِي سَدّهَا فَكَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ أَهْلَ الْخَلَّةِ وَأَخَّرَ غَيْرَهُمْ حَتَّى أَفَاءَهُمْ بَعْدُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى، وَلاَ أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْهُمْ قَالَ يُعْطِي مَنْ يُعْطِي مِنْ الصَّدَقَاتِ، وَلاَ يُجَاهِدُ مِنْ الْفَيْءِ شَيْئًا وَقَالَ بَعْضُ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ فَإِنْ أَصَابَتْ أَهْلَ الصَّدَقَاتِ سَنَةٌ تُهْلِكُ أَمْوَالَهُمْ أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْفَيْءِ، فَإِذَا اسْتَغْنَوْا مُنِعُوا مِنْ الْفَيْءِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي مَالِ الصَّدَقَاتِ هَذَا الْقَوْلَ يَزِيدُ بَعْضُ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ عَلَى بَعْضٍ. وَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ وَأَحْفَظُهُ عَمَّنْ أَرْضَى عَمَّنْ سَمِعْت مِنْهُ مِمَّنْ لَقِيت أَنْ لاَ يُؤَخِّرَ الْمَالَ إذَا اجْتَمَعَ، وَلَكِنْ يُقْسَمُ، فَإِذَا كَانَتْ نَازِلَةً مِنْ عَدُوٍّ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْقِيَامُ بِهَا، وَإِنْ غَشِيَهُمْ عَدُوٌّ فِي دَارِهِمْ وَجَبَ النَّفِيرُ عَلَى جَمِيعِ مَنْ غَشِيَهُ مِنْ الرِّجَالِ أَهْلِ الْفَيْءِ وَغَيْرِهِمْ أَخْبَرَنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه بِمَا أُصِيبَ بِالْعِرَاقِ قَالَ لَهُ صَاحِبُ بَيْتِ الْمَالِ، أَلاَ أُدْخِلُهُ بَيْتَ الْمَالِ؟ قَالَ لاَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ لاَ يُؤَدَّى تَحْتَ سَقْفِ بَيْتٍ حَتَّى أَقْسِمَهُ فَأَمَرَ بِهِ فَوُضِعَ فِي الْمَسْجِدِ وَوُضِعَتْ عَلَيْهِ الْأَنْطَاعُ وَحَرَسَهُ رِجَالُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا مَعَ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَخَذَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا، أَوْ أَحَدُهُمَا أَخَذَ بِيَدِهِ فَلَمَّا رَأَوْهُ كَشَطُوا الْأَنْطَاعَ عَنْ الْأَمْوَالِ فَرَأَى مَنْظَرًا لَمْ يَرَ مِثْلَهُ رَأَى الذَّهَبَ فِيهِ وَالْيَاقُوتَ وَالزَّبَرْجَدَ وَاللُّؤْلُؤَ يَتَلاَْلاَُ فَبَكَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ أَحَدُهُمَا وَاَللَّهِ مَا هُوَ بِيَوْمِ بُكَاءٍ، وَلَكِنَّهُ يَوْمُ شُكْرٍ وَسُرُورٍ فَقَالَ إنِّي وَاَللَّهِ مَا ذَهَبْت حَيْثُ ذَهَبْت، وَلَكِنَّهُ وَاَللَّهِ مَا كَثُرَ هَذَا فِي قَوْمٍ قَطُّ إلَّا وَقَعَ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْقِبْلَةِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك أَنْ أَكُونَ مُسْتَدْرَجًا فَإِنِّي أَسْمَعُك تَقُولُ: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} الآيَةَ، ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ سُرَاقَةُ بْنُ جَعْشَمٍ؟ فَأُتِيَ بِهِ أَشْعَرَ الذِّرَاعَيْنِ دَقِيقَهُمَا فَأَعْطَاهُ سِوَارَيْ كِسْرَى فَقَالَ: الْبَسْهُمَا فَفَعَلَ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَلَبَهُمَا كِسْرَى بْنَ هُرْمُزَ وَأَلْبَسَهُمَا سُرَاقَةَ بْنَ جَعْشَمٍ أَعْرَابِيًّا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ وَجَعَلَ يُقَلِّبُ بَعْضَ ذَلِكَ بَعْضًا، ثُمَّ قَالَ: إنَّ الَّذِي أَدَّى هَذَا لاََمِينٌ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَنَا أُخْبِرُك أَنْتَ أَمِينُ اللَّهِ وَهُمْ يُؤَدُّونَ إلَيْك مَا أَدَّيْت إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِذَا رَتَعْتَ رَتَعُوا قَالَ صَدَقْتَ ثُمَّ فَرَّقَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى، وَإِنَّمَا أَلْبَسَهُمَا سُرَاقَةَ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِسُرَاقَةَ وَنَظَرَ إلَى ذِرَاعَيْهِ كَأَنِّي بِك، وَقَدْ لَبِسْت سِوَارَيْ كِسْرَى». قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ إلَّا سِوَارَيْنِ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالَ أَنْفَقَ عُمَرُ عَلَى أَهْلِ الرَّمَادَةِ حَتَّى وَقَعَ مَطَرٌ فَتُرَحَّلُوا فَخَرَجَ إلَيْهِمْ عُمَرُ رَاكِبًا فَرَسًا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَهُمْ يَتَرَحَّلُونَ بِظَعَائِنِهِمْ فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي مُحَارِبَ بْنِ خَصْفَةَ أَشْهَدُ أَنَّهَا انْحَسَرَتْ، عَنْك وَلَسْت بِابْنِ أَمَةٍ فَقَالَ لَهُ وَيْلَك ذَاكَ لَوْ كُنْت أَنْفَقْت عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِي وَمَالِ الْخَطَّابِ إنَّمَا أَنْفَقْت عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: فَكُلُّ مَا صَالَحَ عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ بِغَيْرِ قِتَالٍ بِخَيْلٍ، وَلاَ رِكَابٍ فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الْفَيْءِ يُقْسَمُ عَلَى قَسْمِ الْفَيْءِ فَإِنْ كَانُوا مَا صَالَحُوا عَلَيْهِ أَرْضٌ وَدُورٌ فَالدُّورُ وَالْأَرْضُونَ وَقْفٌ لِلْمُسْلِمِينَ تُسْتَغَلُّ وَيَقْسِمُ الْإِمَامُ غَلَّهَا فِي كُلِّ عَامٍ ثُمَّ كَذَلِكَ أَبَدًا وَأَحْسِبُ مَا تَرَكَ عُمَرُ مِنْ بِلاَدِ أَهْلِ الشِّرْكِ هَكَذَا، أَوْ شَيْئًا اسْتَطَابَ أَنْفُسَ مَنْ ظَهَرُوا عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَرِكَابٍ فَتَرَكُوهُ كَمَا اسْتَطَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْفُسَ أَهْلِ سَبْيِ هَوَازِنَ فَتَرَكُوا حُقُوقَهُمْ وَحَدِيثُ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ عَوَّضَهُ مِنْ حَقِّهِ وَعَوَّضَ امْرَأَةً مِنْ حَقِّهَا بِمِيرَاثِهَا مِنْ أَبِيهَا كَالدَّلِيلِ عَلَى مَا قُلْت وَيُشْبِهُ قَوْلَ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَرَ لَوْلاَ أَنِّي قَاسِمٌ مَسْئُولٌ لَتَرَكْتُكُمْ عَلَى مَا قُسِمَ لَكُمْ أَنْ يَكُونَ قُسِمَ لَهُمْ بِلاَدُ صُلْحٍ مَعَ بِلاَدِ إيجَافٍ فَرَدَّ قَسْمَ الصُّلْحِ وَعَوَّضَ مِنْ بِلاَدِ الْإِيجَافِ بِخَيْلٍ وَرِكَابٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} الآيَةَ. وَرُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَّفَ عَامَ حُنَيْنٍ عَلَى كُلِّ عَشْرَةٍ عَرِيفًا».
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: «وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُهَاجِرِينَ شِعَارًا وَلِلْأَوْسِ شِعَارًا وَلِلْخَزْرَجِ شِعَارًا وَعَقَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَلْوِيَةَ عَامَ الْفَتْحِ فَعَقَدَ لِلْقَبَائِلِ قَبِيلَةً قَبِيلَةً حَتَّى جَعَلَ فِي الْقَبِيلَةِ أَلْوِيَةً كُلُّ لِوَاءٍ لِأَهْلِهِ» وَكُلُّ هَذَا لِيَتَعَارَفَ النَّاسُ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهَا وَتَخِفُّ الْمُؤْنَةُ عَلَيْهِمْ بِاجْتِمَاعِهِمْ وَعَلَى الْوَالِي كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي تَفْرِيقِهِمْ إذَا أُرِيدَ وَالْأَمْرُ مُؤْنَةٌ عَلَيْهِمْ وَعَلَى وَالِيهِمْ وَهَكَذَا أَحَبُّ لِلْوَالِي أَنْ يَضَعَ دِيوَانَهُ عَلَى الْقَبَائِلِ وَيَسْتَظْهِرَ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهُ وَمَنْ جَهِلَ مِمَّنْ يَحْضُرُهُ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ مِنْ قَبَائِلِهِمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَأَخْبَرَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا كَثُرَ الْمَالُ فِي زَمَانِهِ أَجْمَعَ عَلَى تَدْوِينِ الدِّيوَانِ فَاسْتَشَارَ فَقَالَ بِمَنْ تَرَوْنَ أَبْدَأُ؟ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: ابْدَأْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ بِك قَالَ: ذَكَّرْتُمُونِي بَلْ أَبْدَأُ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَدَأَ بِبَنِي هَاشِمٍ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ قَالَ بِمَنْ تَرَوْنَ أَبْدَأُ؟ قِيلَ لَهُ ابْدَأْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصِّدْقِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ وَكَانَ بَعْضُهُمْ أَحْسَنَ اقْتِصَاصًا لِلْحَدِيثِ مِنْ بَعْضٍ، وَقَدْ زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا دَوَّنَ الدِّيوَانَ قَالَ أَبْدَأُ بِبَنِي هَاشِمٍ ثُمَّ قَالَ حَضَرْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِيهِمْ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ. فَإِذَا كَانَتْ السِّنُّ فِي الْهَاشِمِيِّ قَدَّمَهُ عَلَى الْمُطَّلِبِيِّ، وَإِذَا كَانَتْ فِي الْمُطَّلِبِيِّ قَدَّمَهُ عَلَى الْهَاشِمِيِّ فَوَضَعَ الدِّيوَانَ عَلَى ذَلِكَ وَأَعْطَاهُمْ عَطَاءَ الْقَبِيلَةِ الْوَاحِدَةِ ثُمَّ اسْتَوَتْ لَهُ بَنُو عَبْدِ شَمْسٍ وَنَوْفَلٍ فِي جَذْمِ النَّسَبِ فَقَالَ عَبْدُ شَمْسٍ إخْوَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ دُونَ نَوْفَلٍ فَقَدَّمَهُمْ ثُمَّ دَعَا بَنِي نَوْفَلٍ يَتْلُونَهُمْ ثُمَّ اسْتَوَتْ لَهُ عَبْدُ الْعُزَّى وَعَبْدُ الدَّارِ فَقَالَ فِي بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى أَصْهَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِمْ أَنَّهُمْ مِنْ الْمُطَيِّبِينَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَهُمْ مِنْ حِلْفِ الْفُضُولِ، وَفِيهِمْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قِيلَ ذَكَرَ سَابِقَةً فَقَدَّمَهُمْ عَلَى بَنِي عَبْدِ الدَّارِ ثُمَّ دَعَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ يَتْلُونَهُمْ ثُمَّ انْفَرَدَتْ لَهُ زَهْرَةُ فَدَعَاهَا تَتْلُو عَبْدَ الدَّارِ ثُمَّ اسْتَوَتْ لَهُ بَنُو تَيْمٍ وَمَخْزُومٌ فَقَالَ فِي بَنِي تَيْمٍ إنَّهُمْ مِنْ حِلْفِ الْفُضُولِ وَالْمُطَيَّبِينَ، وَفِيهِمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ: ذَكَرَ سَابِقَةً وَقِيلَ: ذَكَرَ صِهْرًا فَقَدَّمَهُمْ عَلَى مَخْزُومٍ ثُمَّ دَعَا مَخْزُومًا يَتْلُونَهُمْ ثُمَّ اسْتَوَتْ لَهُ سَهْمٌ وَجَمَحَ وَعَدِيُّ بْنُ كَعْبٍ فَقِيلَ لَهُ: ابْدَأْ بِعَدِيٍّ فَقَالَ: بَلْ أُقِرُّ نَفْسِي حَيْثُ كُنْت، فَإِنَّ الْإِسْلاَمَ دَخَلَ وَأَمْرُنَا وَأَمْرُ بَنِي سَهْمٍ وَاحِدٌ، وَلَكِنْ اُنْظُرُوا بَنِي سَهْمٍ وَجَمَحَ فَقِيلَ: قَدِّمْ بَنِي جُمَحَ ثُمَّ دَعَا بَنِي سَهْمٍ فَقَالَ وَكَانَ دِيوَانُ عَدِيٍّ وَسَهْمٍ مُخْتَلِطًا كَالدَّعْوَةِ الْوَاحِدَةِ فَلَمَّا خَلَصَتْ إلَيْهِ دَعْوَتُهُ كَبَّرَ تَكْبِيرَةً عَالِيَةً ثُمَّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَوْصَلَ إلَيَّ حَظِّي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ دَعَا بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ الْفِهْرِيَّ لَمَّا رَأَى مَنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ قَالَ: أَكُلَّ هَؤُلاَءِ تَدْعُو أَمَامِي؟ فَقَالَ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ اصْبِرْ كَمَا صَبَرْت أَوْ كَلِّمْ قَوْمَك فَمَنْ قَدَّمَك مِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ أَمْنَعْهُ فَأَمَّا أَنَا وَبَنُو عَدِيٍّ فَنُقَدِّمُك إنْ أَحْبَبْت عَلَى أَنْفُسِنَا قَالَ فَقَدَّمَ مُعَاوِيَةُ بَعْدَ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ فَفَصَلَ بِهِمْ بَيْنَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَأَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى وَشَجَرَ بَيْنَ بَنِي سَهْمٍ وَعَدِيٍّ شَيْءٌ فِي زَمَانِ الْمَهْدِيِّ فَافْتَرَقُوا فَأَمَرَ الْمَهْدِيُّ بِبَنِي عَدِيٍّ فَقُدِّمُوا عَلَى سَهْمٍ وَجَمَحَ لِلسَّابِقَةِ فِيهِمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا فَرَغَ مِنْ قُرَيْشٍ قُدِّمَتْ الْأَنْصَارُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ كُلِّهَا لِمَكَانِهِمْ مِنْ الْإِسْلاَمِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: النَّاسُ عِبَادُ اللَّهِ فَأَوْلاَهُمْ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّمًا أَقْرَبُهُمْ بِخِيَرَةِ اللَّهِ لِرِسَالَتِهِ وَمُسْتَوْدَعِ أَمَانَتِهِ وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَخَيْرِ خَلْقِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مُحَمَّدٌ عليه الصلاة والسلام.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَمَنْ فَرَضَ لَهُ الْوَالِي مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ رَأَيْت أَنْ يُقَدَّمَ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّسَبِ، فَإِذَا اسْتَوَوْا قُدِّمَ أَهْلُ السَّابِقَةِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ السَّابِقَةِ مِمَّنْ هُمْ مِثْلُهُمْ فِي الْقَرَابَةِ.
|